حقائق علمية في القرآن أفحمت المكابرين | العدد الواحد والعشرون
حقائق علمية في القرآن أفحمت المكابرين
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



 

 

حقائق علمية في القرآن أفحمت المكابرين

د. محمد دودح

 

الباحث العلمي بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة


هناك من يشككون في إعجاز القرآن الكريم قائلين مثلاً إن ما ورد من حقائق علمية ـ خاصة ما يتعلق بتكوين الجنين ـ قد سبق إليها الإغريق، ومنهم أرسطو كما أنه يوجد مثلها في الإنجيل كثير، وبديهي أن تسمع من المشككين مغالطات بقصد التشويش على غير العارفين بالحقائق، وقد خاب مسعاهم ويكفي أن نخبة من كبار المختصين في العالم في علم الأجنة قد بهرتها الأوصاف العلمية الدقيقة في القرآن، فشاركت في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية وقرر أساطين المتخصصين في ذلك العلم سبق القرآن للمعارف البشرية، بل ذهب بعضهم إلى الاعتراف بربانية القرآن وأنه ليس بقول بشر، ومن هؤلاء كيث مور Keith Moore رئيس قسم التشريح وعلم الأجنة بجامعة تورنتو في كندا، ولك أن تطالع كتابه بالإنجليزية حول تخلق الجنين البشري The Developing Human لتجد أمامك حقائق علم الأجنة المكتشفة حديثاً على يد أشخاص معروفين متوافقة مع الدلالات الواردة في آيات القرآن الكريم وذلك شاهد على أن هذا القرآن إنما هو تنزل من خالق الكون جل وعلا.


لقد عاش المفكر الإغريقي أرسطو Aristotle في القرن الرابع قبل الميلاد؛ حيث أصاب شهرة واسعة نتيجة لتأملاته الصائبة في كثير من الظواهر الطبيعية قبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر، وله مساهمات تجريبية في وصف تطور جنين الدجاجة وغيرها بالعين المجردة،حتى إن البعض يعتبره واضع أساس علم الأجنة، ومع ذلك جاءت الثورة العلمية الحديثة ابتداء من القرن السابع عشر بمكتشفات نقضت الكثير من معتقداته التي ثبت أنها خاطئة، ومن ذلك اعتقاده بتخلق الجنين من دم الحيض نتيجة للاتحاد مع السائل المنوي، علما بأنه ليس أول من وصف تطور جنين الدجاجة من الإغريق فقد سبقه أبو قراط Hippocrates بحوالي قرن عدا الكثير من اجتهاداته في الطب حتى أن بعض الغربيين ممن يحاولون قصر تاريخ العلوم على الأسلاف مجترئين على الحقيقة يعتبرونه أبا الطب.



وربما كان جالن Galen الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد أكثر دقة من أرسطو في كثير من الوصف لأجنة الحيوانات بعد مشاهدتها بالعين المجردة. وفي العصور الوسطى قبل عصر النهضة عاشت أوروبا في كساد علمي جعلها لا تتجاوز ترداد أفكار الإغريق، ولذا يتعجب البروفيسور كيث مور في كتابه من وفرة وتآزر الحقائق العلمية المتعلقة بخلق الجنين في القرآن، فيقول:

(لم تضف في العصور الوسطى معلومات ذات قيمة في مجال تخلق الجنين ومع ذلك قد سجل القرآن في القرن السابع وهو الكتاب المقدس عند المسلمين أن الجنين البشري يتخلق من أخلاط تركيبية من الذكر والأنثى مع بيان تخلق الجنين في أطوار عدة ابتداءً مما يماثل في التركيب قطيرة أو نطفة تنغرس وتنمو في الرحم كالبذرة..، ومع وصف الجنين في أول مرحلة بما يماثل العلقة Leech التي تعيش على مص دماء الغير، ثم مما يماثل كتلة ممضوغة بما فيها من علامات أسنان وانبعاجات وهو ما يتفق مع تطور الأعضاء في المرحلة التالية. ويتابع كيث مور قوله:

وإذا أردت مزيداً من الأوصاف العلمية في القرآن في مجال علم الأجنة فإني أحيلك إلى كتابي طبعة 1986م، مع العلم أن أول من درس جنين الدجاجة ـ باستخدام عدسة بسيطة ـ هو هارفي Harvey عام 1651م، ودرس كذلك أجنة الأيل Deer ولصعوبة معاينة المراحل الأولى للحمل استنتج أن الأجنة ليست إلا إفرازات رحمية.


 

وفي عام 1672م اكتشف جراف Graaf حويصلات في المبايض ما زالت تسمى باسمه Graafian Follicles وعاين حجيرات في أرحام الأرانب الحوامل تماثلها، فاستنتج أن الأجنة ليست إفرازات من الرحم وإنما من المبايض، علما بأنه لم تكن تلك التكوينات الدقيقة التي عاينها جراف سوى تجاويف في كتل الخلايا الجنينية الأولية Blastocysts، وفي عام 1675م عاين مالبيجي Malpighi أجنة في بيض دجاج ظنه غير محتاج لعناصر تخصيب من الذكر واعتقد أنه يحتوي على كائن مصغر ينمو ولا يتخلق في أطوار.

وباستخدام مجهر أكثر تطوراً اكتشف هام Hamm وليفنهوك Leeuwenhoek الحيوان المنوي للإنسان للمرة الأولى في التاريخ وذلك في عام 1677م ولكنهما لم يدركا دوره الحقيقي في الإنجاب وظنا أيضاً أنه يحتوى على الإنسان مصغراً لينمو في الرحم بلا أطوار تخليق، وفي عام 1759م افترض وولف Wolff تطور الجنين من كتل أولية التكوين ليس لها هيئة الكائن المكتمل، وحوالي العام 1775م انتهى الجدل حول فرضية الخلق المكتمل ابتداءً؛ حيث استقرت نهائياً معرفة حقيقة التخليق وأنه يتم في أطوار.




وأكدت تجارب إسبالانزاني Spallanzani على الكلاب على أهمية الحوينات المنوية في عملية التخليق، بعد أن سادت قبله الفكرة بأن الحوينات المنوية كائنات غريبة متطفلة ولذا سميت حتى اليوم بحيوانات المني Semen Animals.

وفي عام 1827م بعد حوالي 150 سنة من اكتشاف الحوين المنوي عاين فون بير Von Baer البويضة في حويصلة مبيض إحدى الكلاب.

وفي عام 1839م تأكد شليدن Schleiden وشوان Schwann من تكون الجسم البشري من وحدات بنائية أساسية حية ونواتجها وسميت تلك الوحدات بالخلايا Cells وأصبح من اليسير لاحقاً تفهم حقيقة التخلق في أطوار من خلية مخصبة ناتجة عن الاتحاد بين الحيوان المنوي والبويضة.

وفي عام 1878م اكتشف فليمنج Flemming الفتائل الوراثية Chromosomes داخل الخلايا، وفي عام 1883م اكتشف بينيدن Beneden اختزال عددها في الخلايا التناسلية، وفي القرن العشرين تم التحقق نهائياً من احتواء الخلية البشرية الأولى Zygot على العدد الكامل من تلك الأخلاط الوراثية من الذكر ومن الأنثى وعرف عددها.

هذا هو تاريخ اكتشاف تلك الحقائق التي سبق القرآن وذكر الكثير منها قبل اكتشافها بقرون، فكيف لعالم محقق أن يجهلها أو يتجاهلها ويعارض الحقيقة! لا شك أن مثل هذا العالم سوف يتهمه التاريخ والعلم بالجهل أو الحيدة عن الإنصاف!.

يقول العلي القدير: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (نوح: 13،14)، ويقول عز وجل: (يَآأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) (الحجرات: 13)، قال القرطبي: بين الله ـ تعالى ـ في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى، وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية فإنها نص لا يحتمل التأويل، ويقول عز وجل: (إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) (الإنسان: 2)، قال الشوكاني: (وأمشاج صفة لنطفة وهي جمع مشج أو مشيج وهي الأخلاط والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما)، وقال ابن القيم: الجنين يخلق من ماء الرجل وماء المرأة خلافاً لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده.

وأما الادعاء بسبق الإنجيل فلا يسنده دليل، وليس نادراً أن نجد من يعمل على وأد الحقيقة عن تعميم التزاماً بموروث الآباء حتى لو قام على التناقض وعابه الخلل، ولكن النادر أن ينبري محقق للنقد الموضوعي والاعتراف بالحقيقة وإن خالفت الإرث الطائفي، وهكذا ففي يقظة جريئة بين ركام التقليد اعترف المحقق الفرنسي موريس بوكاي بسبق القرآن الكريم في تسجيل كثير من الحقائق في ميادين علمية مختلفة بلا خطأ واحد بينما لم تثبت المدونات الأخرى التي تنسب للوحي أمام النقد العلمي،


ومن هنا نال بكتابه (القرآن والإنجيل في ضوء العلم الحديث) شهرة واسعة ورفعة وما ذلك إلا بسبب صدقه وجرأته التي بلغت حد الجهر بها دون تردد، وفي التماعة لا تخلو من جرأة كذلك في كتاب (دليل إلى قراءة الكتاب المقدس) المنشور في 12 تشرين الثاني عام 1982م والمطبوع بالعربية في بيروت كتب المحقق الفرنسي الأب أسطفان شربنتييه قائلاً: (إن الكتاب المقدس لاسيما العهد القديم كتاب محير، نعلم قبل أن نفتحه أنه الكتاب المقدس عند اليهود والمسيحيين ونتوقع أن نجد فيه كلام الله غير ممزوج بأي شيء..


وعندما نفتحه نجد فيه قصصاً من ماضي شعب صغير، قصصاً كثيرا ما تكون لا فائدة فيها، وروايات لا نستطيع أن نقرأها بصوت مرتفع دون أن نخجل، وحروباً واعتداءات، وقصائد لا تحملنا على الصلاة وإنما سميناها مزامير، وفضائح أخلاقية قديمة تخطاها الزمن وكثيراً ما هي مبغضة للنساء) ص 8، (وكذلك فإن أسفار الكتاب المقدس كثيراً ما تبدو لنا مبتذلة ولا فائدة لها) ص 8، وفي الحقيقة قد شارك الكاتب في فضل جرأة الاعتراف عدد من أعلام الطائفة هم المترجم: الأب صبحي حموي اليسوعي، والكاتب لمقدمه الكتاب الأب أنطوان أودو اليسوعي أستاذ الكتاب المقدس بجامعة القديس يوسف في بيروت، والمرجع الرسمي الموافق على النشر النائب الرسولي: بولس باسيم، وما يهمنا في أقوال الأب أسطفان شربنتيييه فيما يتعلق بالجوانب العلمية عامة أو الحقائق التي فاض بها القرآن الكريم هو اعترافه بجرأة قائلاً: (قد نجد في الكتاب المقدس كثيراً من الأمور غير المطابقة للواقع) ص9، ولو تناول أي إنسان يرغب في معرفة الحقيقة جميع ما ينسب للوحي من مدونات تسبق القرآن فلن يجد شيئاً خاصة في مجال علم الأجنة، فمن أين إذن ذلك الفيض غير المسبوق من الحقائق العلمية في القرآن قبل أن يبزغ عصر الكشوف العلمية بأكثر من عشرة قرون إذا كان كل ما سبقه ناقصاً ومغلوطاً بشهادة أعلام محققين أحرار!، إن فيض التفاصيل العلمية في القرآن والتي يستحيل أن يدركها بشر زمن التنزيل هي بعض دلائل النبوة الخاتمة التي تسطع اليوم أمام النابهين دون أي خفاء.