logo.png
المادة.. بنية وخواص
طباعة



المادة.. بنية وخواص

إسماعيل القريشي الشريف

باحث بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي

إن نقاش أية قضية ينبغي أن يبدأ بالمسلّم به وصولاً إلى المختلف فيه، ولا شك أن كل مسلم يعتبر مرجعيته التي ترفع الخلاف هي واضح الدلالة من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وإجماع الأمة . أما غير المسلم فتقام عليه الحجة بما يراه ويحسه بنفسه وبالحجة العقلية ثم ينتقل معه من تلك المسلّمات إلى نتائجها التي تلزمه بقبول الحق والإذعان له، وإلا كان معاندًا بعيدًا عن كل منطق ومنهج علمي.

ورجاء الوصول إلى ذلك فسألقي الضوء في هذه الأسطر على المادة للتعرف عليهـا من حيث: معناها وماهيتها، وعناصرها، وخواصها، وحالاتها، وموقف الناس منها؛ إذ المؤمنون يرون أنها خلق من مخلوقات الله تعتريها صفات العبودية من إيجاد وفناء وتسيير، وعبادة لله، كما قال تعالى: (
وَإِن مِـّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
)، بخلاف من يرون أن المادة قديمة أزلية وأنها لا تفنى وإنما تتحول وتبقى. وأهمية التعريف بالمادة في معجم المصطلحات الكونية تكمن في خطورة هذه المقولة ومصادمتها للعقيدة الإسلامية، إضافة إلى كثرة ورودها في المصادر والمراجع العلمية؛ ورغم تراجع الماديين في هذا الوقت وبيان زيف كثير من مفترياتهم الإلحادية ــ إلا أن القول ببقاء المادة وعدم فنائها لا يزال في مناهج بعض المسلمين!!.

تعريف المادة:

المادة في اللغة: الزيادة المتصلة، وجمعها مواد؛ يقول أبو علي القالي: والمادة: كل شيء يكون مدادًا لغيره، ويقال في بعض الكلام: دعوا في الضرع مادة اللبن، والمتروك من اللبن هو الداعية، وما اجتمع إليه المادة، والأعراب أصل العرب ومادة الإسلام، فهذا هو معنى المادة في لغة العرب، أما معناها في اصطلاح أهل العلوم، فقد عرّفوها بتعريفات أهمها: إنها الجوهر والأصل في تكوين الأشياء، أو هي الشيء الحسي الذي يدرك بإحدى الحواس الخمس كالحديد والماء والهواء، وعرفت بأنها: كل ما يتكون ويشغل حيزًا: أو ما يتكون منه جميع الأشياء، وصرح العلماء الماديون بأنها أزلية وأنها لا تتلاشى أو تفنى وإنما تتحول، وعرفها ابن سينا بقوله: إن المادة وإن كانت سببًا للجسم فإنها ليست سببًا يعطي الوجود بل سبب يقبل الوجود .

بنية المادة:

المواد العادية مكونة من ذرّات، والذرة هي: أصغر عنصر يمكنه الدخول في تفاعل كيميائي لتكوين المركب.

وتحتوي الذرات على جسيمات تسمى: (البروتونات) و(النيترونات) و(الإلكترونات) وتتكون البروتونات والنيترونات من جسيمات صغيرة يطلق عليها (الكوارات) تربطها جسيمات تسمى (القلوانات).

وتكوِن الذرات جسيمات كبيرة تسمى الجزيئات، وهذه المركبات إما عضوية أو غير عضوية. والعضوية هي التي يوجد معظمها في الكائنات الحية (حيوانية ونباتية) وتحتوي على ذرة الكربون وتتكون من جزيئات كبيرة قد تحتوي على آلاف الذرات.

عناصر المادة:

يقول العلماء الكونيون: إن ما في الكون ينقسم إلى مادة وقوة، فالذهب والنحاس مثلاً مادة، والحركة والكهرباء والحرارة قوة.

والقوة والمادة مختلفان ولكنهما متلازمان فلا توجد مادة في الكون الفيزيائي مستقلة عن قوة ولا قوة مستقلة عن مادة، ولكل من المادة والقوة خواص يشتركان في بعضها ويختلفان في البعض الآخر، وكان العلماء قديمًا يظنون أن المواد يرجع تركيبها إلى أربعة عناصر هي:

1 - الماء.      2 - التراب.    3 - الهواء.      4 - النار.

غير أنهم توصلوا في هذا العصر إلى أن المواد كلها ــ رغم اختلافها ــ ترجع في تركيبها إلى مائة وخمسة عناصر، والعنصر هو المادة التي لا يمكن تحليلها إلى مادة أبسط.

خواص المادة:

وللمادة نوعان من الخواص:

أ - الخواص الفيزيائية وتعرف بالحس.

ب - الخواص الكيميائية وتعرف بأمور كالوزن والكثافة.

وأهم خواص المادة:

1 - المرونة.                      2 - القوى والتـوازن في الـمائعات.

3 -الضغط الجـوي.                         4- خواص السوائل.

حالات المادة:

توجد المادة - عادة - في واحدة من ثلاث حالات هي:

1- المادة الصلبة الجامدة كالصخور.

2- المادة السائلة كالماء.

3- المادة الغازية كالهواء.

ومع معرفة العلمـاء لخواص المادة وحالاتها إلا أنهم لم يزالوا عاجزين عن معـرفة كنه الـمادة التي تتركب منها الأشياء المحسوسة في الكون، وأهم ما يعنينا هنا هو الوقوف عند نقطتين ــ وأما ما عدا ذلك من نظريات فيمكن أن يقبل منه أو يرد:

الأولى: القول بأن الـمادة أزليـة وأنها لا تتلاشى وتفنى وإنما تتحـول، وهو ما يعبرون عنه تـارة بحفظ المـادة، أو قانـون بقاء الـمادة، ويدعي بعض الـماديين أن هذا التوهـم من المسـلّمات العلميـة!!

جاء في كتاب أسـس الـمادية الديالكتيكية قولهم: ليس للكون نهـاية والعالم أبدي وليس له بداية ولن يكـون له نهاية.

الثانية: قولـهم إن الحيـاة تكونت من المادة مباشـرة بفعل الطبيعة على سـبيل المصادفة، وإن الكون جميعـه نشأ من المـادة بطريق التوالد الذاتي بسبب الطبيعة.

ورغم بطلان هذه النظريـات من الناحيـة الشرعيـة والعلميـة فإنها لا تزال تدرس في بعض بلاد عالمنا الإسلامي!

الأدلة على حدوث المادة وفنائها:

إن المسـلمين يكفيهم في الإقناع بحدوث المادة من العـدم وفنائها ما ورد من أدلة كثيرة، قال تعالى: (
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّــِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ
).

وقوله تعالى: (
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
).

وقال جل وعلا: (
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
).

وقال: (
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ
).

وقال تعالى: (
هُوَ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
).

وقال: (
إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
).

وقال تعالى: (
إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ
).

لقد حصـر الله تعـالى خلق جميـع الأشياء من العـدم على نفسـه، ونفى قدرة غيره على ذلك وحكم على جميـع مخلوقاتـه بالفنـاء، وعـاب على من تنكر لعبادتـه وعبد غيره، فقال تعالى: (
أَفَمَـن يَخْلُـقُ كَمَن لاَّ يَخْلُـقُ أَفَلاَ تَذَكَّـرُونَ
) وقال: (
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُـم مَّن يَبْدَؤُاْ الْخَلْـقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيـدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
) . فلا مـجال إذًا للقـول بأن الكون خُلق من صدفـة، أو أنه أزلي. وقد اعترف كثير من علمـاء الغرب المـاديين بذلك، ونقل سيد قطب - رحمه الله- عن كثير منهـم أقوالاً صريحة في ذلك منها:

قول فرانك أللن: (إذا لم تكن الحياة قد نشأت بحكمة وتصميم سابق فلا بد أن تكون قد نشأت عن طريق المصادفة فما تلك المصادفة إذن حتى نتدبرها ونرى كيف تخلق الحياة). ثم أبطل القول بنشأتها صدفة، كما قام العالم الرياضي السويسري (تشارلز جف جاي) بحساب هذه العوامل الافتراضية جميعًا فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد، إلا بنسبة 1 إلى 10 مضروبًا في نفسه 160 مرة ــ وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات - وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة المفترضة بحيث ينتج جزيء واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملاين المرات، ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها - عن طريق المصادفة - بلايين لا تحصى من السنوات قدّرها هذا العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في 243 مرة من السنين. ويقول (إيرفنج وليام) في مقال له بعنوان (المادية وحدها لا تكفي) ما نصه: إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي لا يحصيها عدد، وهي التي تتكون منها جميع المواد، كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكون الحياة. ولا شك أن النظرية التي تدّعي أن جميع صور الحياة الراقية قد وصلت إلى حالتها الراهنة من الرقي بسبب حدوث بعض الطفرات العشوائية والتجمعات والهجائن - نظرية لا تقوم على أساس العلم المنطق والإقناع.

ومن أقوى الأدلة على بطلان نظرية بقاء المادة وتطورها ضمن حركة آلية ذاتية - من الناحية العملية والعلمية معًا - أن علماء الدولة الشيوعية المادية في روسيا إبّان قوّتها لم يستطيعوا - خلال سنوات عديدة من البحث والتجارب - أن يولّدوا خلية واحدة سواء كانت نباتية أم حيوانية رغم محاولاتهم الجادة المدعومة بإمكاناتهم المادية والمعنوية المتقدمة، وفي ذلك ما يكفي من الرد على فكرة أزلية المادة وعدم فنائها وتطورها ذاتيٌّا أو عن طريق الصدفة، تلك النظرية الكاذبة الخاطئة .

هذا بالإضافة إلى أن المـاديين يعترفون أن الـمادة مجردة عن العقـل وأنها محكـومة بقوانين ثابتة لا تتغير وهذا كاف في اعترافهم بأنها مخلوقة غير خالقة، إذ كيف يكون الناقص المحكوم خالقًا؟! وصدق الله تعالى القائل: (
مَآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
) وقال تعالى: (
أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَـرَبَ لَنَـا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يْحيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
).

(
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
).

الهوامش:

1 -   بيان جامع العلم وفضله، والمحلى بالآثار لابن حزم 1/72 المسألة 92.

2 -   سورة الإسراء الآية 44.

3 -   القاموس المحيط للفيروزآبادي في مادة (مدَّ) 2/337.

4 - البارع في اللغة لأبي علي القاري البغدادي ص696، وقوله : (الأعراب أصل العرب ومادة الإسلام) هذا جزء من وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما في صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون، انظر كتاب فضائل الصحابة في فتح الباري لابن حجر 7/61 ومسند الإمام أحمد 1/51.

5 -   الهادي إلى لغة العرب للأستاذ حسن سعيد الكرمي 4/172 في مادة (مدَّ).

6 -   انظر: الموسوعة العلمية العالمية 22/42 الطبعة الثانية 1419هـ بالرياض.

7 -   انظر دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي 9/489.

8  -  راجع: معجم المصطلحات العلمية والفنية (عربي فرنسي إنجليزي لاتيني) إعداد وتصنيف يوسف خياط ص 628.

9 -   الموسوعة العربية العالمية 22/43.

10 - دائرة معارف القرن العشرين 9/419.

11 - الموسوعة العلمية الميسرة لـ: نقولا شاهين، د. يوسف دياب، أحمد الخطيب، أحمد شفيق ص34،38.

12 - الموسوعة العربية العالمية 22/43.

13 - المنجد في الفيزياء إعداد نخبة من المختصين بإشراف المهندس مصطفى عاشور 1/5 ط مكتبة ابن سينا القاهرة.

14 - الموسوعة العربية العالمية 22/42.

15 - دائرة معارف القرن العشرين 8/489.

16 - دائرة معارف القرن العشرين 8/489.

17 - الموسوعة العربية العالمية 22/43.

18- هم المنسوبون إلى المادة، وقد مر الفكر المادي بمراحل - من عهد اليونان فما تلاه - من نظرة فلسفية تقابل المثالية وانتهاء بالنظرة الإلحادية على يد هيكل وكارل ماركس القائل: (لا إله والحياة مادة) انظر الموسوعة العربية العالمية 22/47،48.

19- لسركين وباخرت ترجمة محمد الجندي ص 39،29،43.

20 - الإسلام ونظرية داروين للأستاذ محمد أحمد باشميل ص27 الطبعة الثانية عام 1388هـ.

21 - الإسلام ونظرية داروين ص32.

22 - سورة الرحمن الآية 26.

23 - سورة الطور الآيتان 35،36.

24 - سورة لقمان الآية 11.

25 - سورة الحجر الآية 86.

26 - سورة الملك الآية 2.

27 - سورة يس الآية 82.

28 - سورة القمر الآيتان 49،50.

29 - سورة النحل الآية 17.

30 - سورة يونس الآية 34.

31- أستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتويا بكندا، في مقال له عن نشأة الحياة وهل هي صدفة أو قصد؟.

32 - انظر في ظلال القران 2/1154، 1155.

33 - انظر في ظلال القران 2/1154، 1155.

34 - وهو أستاذ حاصل على دكتوراه من جامعة إيوى، وأخصائي في وراثة النباتات، وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجان الأمريكية.

35 - في ظلال القران 2/1156.

36 - انظر فقه الدعوة إلى الله وفقه والنصح والإرشاد للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني 1/300 ط دار القلم دمشق 1417هـ.

37 - انظر دائرة معارف القرن العشرين 8/489.
 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/71-Number-XIII/698-Article