logo.png
الطبيب .. رضي الدين الرحبي
طباعة



الطبيب .. رضي الدين الرحبي

 عبدالكافي نجم الدين الأبرش


    إن تاريخ أمتنا حافل بسير الرجال الأفذاذ في كل مجالات الحياة (في العلوم والآداب والطب والصيدلة والرياضيات) ووقوفنا وتعرفنا على سير أولئك العباقرة العظام فيه تخليد لذكراهم ودحض لمنكري آثارهم وفضلهم وشهادة لهذه الأمة بأنها أمة مجد وخلود نعم لقد كان لأبناء هذه الأمة أكبر الأثر في تواصل الحضارات وامتداد آثارها، ومن أولئك الأفذاذ العلماء العالم الطبيب رضي الدين الرحبي أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي أحد المشتغلين بصناعة الطب، ومن أبرز رجالاته، كان كبير النفس، عالي الهمة محبٌّا للخير، كثير التحقيق، وافر الاجتهاد في مداواة المرضى، أخذ الطب عن والده حيدرة بن الحسن وَبَزَّهُ فيه لأن أباه غلبت عليه صناعة الكحل وعرف بها، فكان طبيب عيون أكثر منه طبيب جسم.

أولا: ولادته وحياته الشخصية


ولد رضي الدين الرحبي سنة 534هـ في شهر جمادى الأولى في جزيرة ابن عمر، ونشأ فيها، كما أقام بنصيبين وبالرحبة سنين كثيرة وسافر إلى بغداد وغيرها، اشتغل بالطب ومهر فيه، كما سافر إلى مصر واجتمع فيها بالشيخ الموفق المعروف بابن جميع المصري وأفاد منه، ثم رحل إلى دمشق مع أبيه سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وذلك في عهد ملكها السلطان الملك العادل (نور الدين محمود زنكي) وأقام بها وتوفي والده فيها ودفن بجبل قاسيون.

ثانيًا: مزاولته الطب


اتخذ طبيبنا دكانًا أو حانوتًا يعالج فيه المرضى وينسخ الكتب الطبية التي تقع عليها يده، ويفيد منها، واستمر على ذلك زمنًا طويلاً واشتغل في هذه الصناعة على مهذب الدين بن النقاش ولازمه وأفاد منه، واتصل بالملك الناصر صلاح الدين فأكرمه وعين له راتبًا في كل شهر واستمر على ذلك مدة دولة صلاح الدين، ثم صاحب بعد وفاته أخاه الملك العادل حيث أبقاه على ما كان عليه في عهد صلاح الدين حتى توفي الملك العادل واستلم بعده ابنه الملك المعظم فاستمر معه حتى توفاه الله وقد تتلمذ عليه بصناعة الطب خلق كثير ونبغ منهم الكثير أمثال فخر الدين الساعاتي (رضوان بن محمد بن علي الخراساني) ومهذب الدين (عبدالرحيم بن علي) وكمال الدين الحمصي (المظفر بن علي) وولده شرف الدين (أبو الحسن علي بن يوسف الرحبي) وغيرهم كثير.

ثالثًا: بعض مآثره


ومن أخباره فيما يتعلق بصناعة الطب أن صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل كان يلازم أكل لحم الدجاج ولا يقرب لحم الضأن فغلب عليه شحوب في لونه واصفرار فوصف له الأطباء أدوية لم تنفعه فلما شكا لرضي الدين أمْره بيّن له سبب ذلك وطلب إليه أن يترك لحم الدجاج ويأكل بدله لحم الضأن ففعل فصلح حاله واعتدل مزاجه، ومما ذكر عنه أنه كان يلزم نفسه بحفظ صحته ويقتني لذلك أجود الطباخات ويوصيها بإحكام ما تقوم بطبخه مما يغلب على ظنه الانتفاع به فإذا أنجزته وأعلمته بذلك طلب من يؤاكله من مؤانسيه ثم يؤخر تقديم الطعام حتى تشتهيه نفسه ثم يطلبه ويتناول منه لأنه يرى أن ذلك أوفر للصحة وأدعى للفائدة؛ فإذا سئل عن سبب ذلك التأخير قال: إنما أفعل ذلك لأعيش ما تبقى من عمري فوق الأرض أستنشق الهواء وأجرع الماء ولا أكون تحتها بسوء التدبير وقلة التفكير، وكان يتوخى دائمًا أن لا يصعد سُلَّمًا ويصف السُّلَّم بأنه منشار العمر.

رابعًا: مرضه ووفاته


توفي يوم الأحد العاشر من المحرم سنة 631هـ بدمشق بعد مرض أصابه أول يوم من عيد الأضحى من سنة 630هـ، ودفن قرب والده بجبل قاسيون، لقد عاش نحو المائة سنة دون أن يتغير من سمعه أو بصره شيء سوى أن ذاكرته ضعفت قليلاً في الأشياء التي كان يتعرف عليها من قريب، أما ما كان من معلوماته القديمة فإنه لم ينس منها شيئًا.

خامسًا: آثاره


خلّف من بعده ولدين أحدهما شرف الدين أبو الحسن علي وقد تعلم منه الطب ونبغ فيه، والآخر جمال الدين عثمان كما ترك من الكتب كتابين، أحدهما: تهذيب شرح ابن الطيب لكتاب (الفصول) لأبقراط، والآخر: اختصار كتاب (المسائل) لحنين بن إسحاق، شرع فيه ولم يكمله.
 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/70-Issue-XII/625-Doctor