
.jpg)
قبل المضي في تفصيل خصائص تلك المعجزة الطبيعية التي وهبنا الله إياها، لنقف معها هذه الوقفة..
وكان عرشه على الماء:
فالماء أول المخلوقات، ولا عجب إذن في تفرده بخصائص لا يشاركه فيها عنصر آخر في الطبيعة.
شكل رقم(1) الماء عنصر قطبي جزئيٌّا. فجزيء الماء يتكون من اتحاد ذرة أوكسجين (تحتوي على ست إلكترونات في مدارها الأخير) مع ذرتين هيدروجين (تمتلك كل منهما إلكترونا واحدا) برابطة تسمى الرابطة التساهمية. تعتبر هذه الرابطة من أقوى الروابط على الإطلاق، لذا فليس من السهل كسرها واستعادة الأوكسجين والهيدروجين من الماء.
والسـؤال كيف تنتظم ذرات الأوكسجين والهـيدروجــين لتكــون جزيء الماء ؟ إن أول ما يتبـــادر للذهن أنها تنتظم على هيئة خط مستقيم ((H-O-H، غير أن الأدلة المعملية أثبتت أن تلك الذرات تنتظم بهيئة لاخطية بحيث تكون الزاوية بين ذرتي الهيدروجين حوالي (105) كما هو موضح بالشكل (2 ــ أ) الأمر الذي جعل البعض يطلق على جزيء الماء اسم (رأس الفأر). شكل رقم (2-أ)
من جانب آخر نجد أن توزيع الإلكترونات عبر الرابطة التساهمية بين الذرات غير متجانس. فذرة الأوكسجين تقوم بجذب الإلكترونات نحوها أكثر مما تفعل ذرة الهيدروجين الأمر الذي يعطي ذرة الأوكسجين شحنة جزئية سالبة (-) بينما يترك على كل ذرة من ذرتي الهيدروجين شحنة جزئية موجبة (+). إن هذا الانحياز للإلكترونات إضافة إلى ذلك الترتيب اللاخطي للذرات يجعل جزيء الماء جزيئا غير متعادل كهربيا وهو ما يعرف في لغة الكيمياء بـ (الجزيء القطبي). شكل رقم(2- ب)
يعود السبب في كثير من خصائص الماء إلى قطبيته. فقدرة الماء الفائقة على الإذابة (التي لا تقدر بثمن للكائنات الحية) تعود إلى هذه القطبية. فبها أصبح الماء من أقوى المذيبات حيث يسهم بفعالية في إتمام عمليات الهضم وتجديد الدم والتخلص من المواد السامة (الفضلات) في أجسام الكائنات العضوية وغير العضوية على حد سواء. وبفضل هذه القدرة على الإذابة تستطيع الأنهار والمحيطات نقل الأملاح والمعادن من مكان لآخر على سطح الأرض.
الآن وقد رأينا مما يتكون جزيء الماء الواحد لننظر كيف ترتبط هذه الجزيئات معًا لتكون عنصر الماء؟ وفقًا لقانون كولوم (الذي ينص على أن الشحنات الكهربية المختلفة تتجاذب) تنجذب ذرة الأوكسجين (السالبة) في جزيء نحو ذرتي الهيدروجين (الموجبة) في الجزيء المجاور، و بتكــرار هـــذه العمليـــة يتكون الماء كمـــا في الشكل (2 ــ ب). يطلق على هذا النوع من الروابط الرابطة الهيدروجينية. هذه الرابطة وإن كانت تصنف من ضمن الروابط الهشة سريعة الكسر إلا أنها تتميز بأنها سريعة التكون أيضاً. ولنا أن نتخيل عنصر الماء كسلسلة من المغناطيسات المتلاصقة، إذا حاولنا إخراج أحد تلك المغناطيسات من مكان ما فإنه سرعان ما يلتصق في مكان آخر. وهنا يكمن في سر قوة تلاصق الماء وتماسكه والتي نتحدث عنها في الفقرة التالية بمزيد من التفصيل.
ومن مظاهر استقرار الماء الحراري أيضا ارتفاع معامل الحرارة النوعية له. مما يعني أن الماء يحتاج إلى كمية كبيرة جدًا من الحرارة حتى يسخن مقارنة مع العناصر الأخرى. فإذا وضعنا قدرا فارغا على النار، فسرعان ما يسخن حتى الاحمرار. بينما لو سكبنا فيه بعض الماء ووضعناه من جديد لاستغرق الماء وقتا كبيرا حتى يسخن. ذلك أن الحرارة النوعية للماء أكبر عشر مرات من الحرارة النوعية للحديد. ولو ذهبنا إلى شاطئ البحر في وقت الظهيرة لوجدنا الرمل أشد حرارة من البحر بينما الوضع ينعكس تماما في الليل.
والسبب أن الحرارة النوعية للماء أكبر بحوالي خمس مرات من الحرارة النوعية للرمل. فالماء يسخن ببـطء ويفقد حرارته أثناء تبريده أيضا ببطء. بينما الرمل يسخن بسرعة ويبرد بسرعة كذلك. وبقي أن نـذكر أن الحرارة النوعية للماء تساوي (1 كالوري / جم)، بمعنى أنه لرفع حرارة واحد جرام من الماء درجة مؤوية واحدة فإننا نحتاج إلى واحد كالوري. وكما أن معامل الحرارة النوعية للماء مرتفع فكذلك معاملي الحرارة الكامنة للتبخر وللإنصهار فإنه لتحويل جرام واحد من الماء عند درجة (100مْ) إلى بخار عند نفس الدرجة نحتاج إلى (540) كالوري !! ولإذابة جرام واحد من الجليد عند درجة (0مْ) إلى ماء عند نفس الدرجة نحتاج إلى (80) كالوري. ومن فوائد الاستقرار الحراري للماء أن درجة غليان الماء ودرجة تجمده تستخدمان كنقطتين مرجعيتين لمعظم الترمومترات. كما أن حرارته النوعية العالية جعلته يستخدم كمبرد في راديتر السيارات وفي كثير من المصانع. وبفضل الحرارة العالية اللازمة لتبخر الماء أو لتجمده نتج فصلا الربيع والخريف كمرحلتين انتقاليتين بين الشتاء والصيف.
4- منحنى الكثافة الفريد:
إذا أخـذنا حجــماً معيناً من الماء وقمنا بتبريده فإن حجمــه ينكمــش وبالتــالي كثــافته تزداد مثله مثل أي ســائل آخر. غير أن المــدهش في الماء أن هذه الخـاصية تتوقف عندما تصل درجة حرارة الماء إلى (4مْ). إذا قمنا بتبريد الماء أكثر فإن حجمه بدلا من أن ينكمش يتمدد وتقل كثافته تبعا لذلك. حتى أنه حين يتجمد - أي تصبح درجة حرارته صفرا مؤويا- فإن كثافته تكون قد انخفضت بمقدار (10%) عنها عند درجة حرارة (4مْ) كما هو موضح بالشكل (3).
وهذا يفسر لماذا تنفجر أنابيب المياه عند التجمد. ولماذا يطفو الجليد على سطح الماء ولا تتجمد البحيرات من الأسفل إلى الأعلى. أنها لخاصية فريدة تعكس بعض تجليات اسم الحفيظ ــ سبحانه ــ الذي حفظ للكائنات البحرية في المناطق المتجمدة حقها في الحياة.