logo.png
الدقة العلمية.. في الأمثال النبوية
طباعة



محمد رفعت
روى الإمام البخاري بسنده عن  أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: (
إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا, فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا, فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا, فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا
)(
1
).
وفي رواية للإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (
مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ, كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا, فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ, وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي
)(
2
).
شرح الحديث:
تعريف الجنادب عند أهل اللغة:
قال أبو السعادات: الجنادب جمع جندب ـ بضم الدال وفتحها وهو ضرب من الجراد وقيل هو الذي يصر في الحر(
3
). وفي المعجم الوجيز: الجندب: نوع من الجراد يصر ويقفز ويطير. (
أم جندب
): معناها الداهية والغدر والظلم.
قال الإمام النووي في شرح الحديث: قَوْله : (
فَجَعَلَ الْجَنَادِب وَالْفِرَاش يَقَعْنَ فِيهَا
) وَفِي رِوَايَة: (
الدَّوَابّ وَالْفِرَاش
) فَقَالَ الْخَلِيل: الفراش هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ، وَقَالَ غَيْره: مَا تَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقّ يَتَهَافَتُ فِي النَّار. وَأَمَّا (
الْجَنَادِب
) فَجَمْع جُنْدُب، وَفِيهَا ثَلاث لُغَات: جُنْدُب بِضَمِّ الدَّال وَفَتْحهَا وَالْجِيم مَضْمُومَة فِيهِمَا، وَالثَّالِثَة حَكَاهُ الْقَاضِي بِكَسْرِ الْجِيم وَفَتْح الدَّال. وَالْجَنَادِب هَذَا الصِّرَار الَّذِي يُشْبِهُ الْجَرَاد،وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الْجُنْدُب عَلَى خِلْقَة الْجَرَاد، لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة كَالْجَرَادَةِ، وَأَصْغَر مِنْهَا، يَطِيرُ، وَيُصِرُّ بِاللَّيْلِ صَرًّا شَدِيدًا وَقِيلَ: غَيْره. وَفِي قوله: و(
أَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا
).
وَفِي رِوَايَة (
وَأَنْتُمْ تَفْلِتُونَ مِنْ يَدَيَّ
) قال: أَمَّا (
التَّقَحُّم
) فَهُوَ الإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الأُمُور الشَّاقَّة مِنْ غَيْر تَثَبُّت. وَ(
الْحُجْز
) جَمْع حُجْزَة وهِيَ مَعْقِد الإِزَار وَالسَّرَاوِيل.                                             
وَأَمَّا قَوْله : (
وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ
) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: اِسْم فَاعِل بِكَسْرِ الْخَاء وَتَنْوِين الذَّال، وَالثَّانِي: مِثْلُ مُضَارِع بِضَمِّ الذَّال بِلا تَنْوِين. وَالأَوَّل أَشْهَر وَهُمَا صَحِيحَانِ.
وَأَمَّا (
تَفَلَّتُونِ
) فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: فَتْح التَّاء وَالْفَاء الْمُشَدَّدَة، وَالثَّانِي: ضَمّ التَّاء وَإِسْكَان الْفَاء وَكَسْر اللَّام الْمُخَفَّفَة، وَكِلاهُمَا صَحِيح. يُقَال: أَفْلَتَ مِنِّي، وَتَفَلَّتَ إِذَا نَازَعَك الْغَلَبَة وَالْهَرَب، ثُمَّ غَلَبَ وَهَرَبَ.                                                                                                     
وَمَقْصُود الْحَدِيث أَنَّهُ   شَبَّهَ تَسَاقُط الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتهمْ فِي نَار الآخِرَة، وَحِرْصهمْ عَلَى الْوُقُوع فِي ذَلِكَ، مَعَ مَنْعه إِيَّاهُمْ، وَقَبْضه عَلَى مَوَاضِع الْمَنْع مِنْهُمْ، بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا  لِهَوَاهُ، وَضَعْف تَمْيِيزه، وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلاكِ نَفْسه، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ(
4
).
وقال القاضي عياض: وقوله: (
فجعل الجنادب
) والفراش يقعن فيها), قال الامام: (
الجنادب
) جمع جندب, هو الجراد. وفيه لغتان: بضم الدال, وفتحها. قال الفراء: والفراش: هو غوغاء الجراد الذى يتفرش ويتراكب. قال غيره: الفراش: الطير الذي يتساقط في النار والسراج(
5
).
وقال الأستاذ الدكتور/ موسى شاهين لاشين: (
كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا
) أى أوقد نارا, واستوقد أبلغ من أوقد, فزياده المبنى تفيد زياده المعنى, والمراد بذلك ظهور الحق ووضوحه, مما يرفع عذر المعتذر.
و(
التَّقَحُّم
) أصله القحم والإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الأُمُور الشَّاقَّة مِنْ غَيْر تَثَبُّت, ومثله الاقتحام, يقال اقتحم الدار هجم عليها. (
فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ، وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا
) أى يدفعهن ويبعدهن عنها.
(
وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي
) أصله تتفلتون,حذفت إحدى التاءين, ويقال افلت منى وتفلت منى(
6
).
الحقيقة العلمية:
انجذاب الحشرات للضوء:
هي ظاهرة علمية مؤكدة علمياً حيث إن الفراشات من رتبة حرشفيات الأجنحة Order: Lepidoptera والجنادب (
Katydids
) من فصيلة (
عائلة
)Family : Tettigoniidae من رتبة مستقيمات الأجنحة
ينجذبوا جميعاً إلى الأشعة فوق البنفسجية التي تشع من النار أو من أي مصدر آخر للضوء يشع هذه الأشعة غير المرئية للإنسان لكنها مرئية وجاذبة لهذه الكائنات التي لا يعرفها الكثير من البشر.




وتنجذب الجنادب (
Katydids
) والفراشات (
Moths
) بصورة كبيرة في المصائد بقوة مصباح زئبقي قوته 250 وات حيث يخرج منه الأشعة فوق البنفسجية ultraviolet light أو ما يسمى بالضوء الأسود black light وهى تنجذب أيضاً وبكميات مناسبة إلى لمبات الفلوريسنت البيضاء العادية.
وتنجذب بدرجة أقل إلى المصباح العادي الأصفر بقوه 40، 60، 100، 200 وات وإذا قمنا بتثبيت ملاءة بيضاء على حائط فإن هذه الحشرات الليلية النشاط تغطى هذه الملاءة إذا كانت الإضاءة فلوريسنت عادية أو سوداء أو لمبات زئبقية تشع الأشعة فوق البنفسجية وتستخدم هذه الطريقة كطريقة من طرق المكافحة المتكاملة للآفات الحشرية اعتماداً علي قوتها وتأثيرها الكبير في جذب أعداد كثيرة من هذه الحشرات.
ثم إن حرارة المصباح الزئبقي 250 وات نار محرقه لهذه الفراشات ونطاطات الأوراق grasshoppers.
وتنجذب الحشرات إلي الأشعة فوق البنفسجية والضوء الأسود black light بصورة كبيرة في دائرة قطرها 500 متراً
أو أكثر ويكون مصدر الضوء في المنتصف وتتخبط الحشرات في دائرة الضوء ثم ترتطم بالمصباح المضيء الساخن وتحترق وتموت بكميات هائلة وهذه ظاهرة سلوكية (
behaviouristic character
) يعرفها علماء الحشرات.
ولذلك صمم العالم Robinson مصيدته المعروفة باسمه light-trap Robinson والتي بنيت فكرتها علي انجذاب الحشرات للأشعة فوق البنفسجية وهى طريقه مثلي لجذب الفراشات والحشرات الأخرى ليلية النشاط
Nocturnal insects حيث تستخدم في جميع البلاد لأغراض البحث العلمي وأغراض المكافحة المبكرة والمتكاملة للآفات integrated pest management (
IPM
). وهذه الظاهرة السلوكية(
behaviouristic character
)   تكون في الحشرات ليلية النشاط (
nocturnal insects
) ومن أهمها الفراشات moths من رتبة حرشفيات الأجنحة (
Order: Orthoptera
) وكذلك نطاطات الأوراق  grasshoppers من رتبة (
Order: Orthoptera
) من فصيلة نطاطات الأوراق ذات القرون الطويلة (
الجنادب: katydids
) long-horned grasshoppers (
Family: Tettigoniidae
) حيث إن هذه الحشرات جميلة الجسم خضراء اللون في الذكور بنية فاتحة في الإناث, أسطوانية الجسم ذات رأس مخروطي وقرون استشعار خيطية طويلة long antennae, ولذلك تسمي نطاطات الأوراق ذات القرون الطويلة  long-horned grasshoppers.    
إن انجذاب الحشرات insects للضوء الطبيعي (
ضوء الشمس
) نهاراً والتي تسمى بالحشرات النهارية النشاط   Diurnal insects وانجذاب البعض الآخر من الحشرات إلي ضوء القمر والضوء الصناعي electrical lights ليلاً   والتي تسمي بالحشرات الليلية النشاط nocturnal insects لهي ظاهرة سلوكية أودعها العلى القدير في هذه الكائنات لسر كبير يعلمه الله لتنظيم حياة هذه الحشرات لاستمرار أنواعها في الحياة وتؤدي وظيفتها حيث قدر الله لها.
ويزداد نشاط الفراشات في الليالي المقمرة full moon light وتتأثر بدرجات الإضاءة تبعاً لمنازل القمر حيث كلما ازداد اكتمال القمر ازدادت كمية الأشعة فوق البنفسجية UV المنبعثة منه.




والضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية والتي تبدأ من الأشعة الكونية الشديدة القصر، ويزيد طول موجتها حتى تصل إلى الموجات اللاسلكية الطويلة التي تستخدم في الإذاعة. والعين في الإنسان تستطيع رؤية الموجات بين 400 (
نانومتر وهو الطول الموجى للضوء البنفسجي
) -700 نانومتر وهو الطول الموجى للضوء الأحمر(
النانومتر يساوي 1/106 مليمتر
). ولا تستطيع عين الإنسان رؤية الموجات الكهرومغناطيسية المتبقية وهي ما فوق أو تحت التردد المذكور وهي الأشعة الكونية، أشعة جاما، أشعة أكس، الأشعة فوق البنفسجية ولكن بعض أنواع الحشرات تستطيع رؤيتها، الأشعة تحت الحمراء، أشعة الرادار، والموجات الدقيقة الصغرى، والأشعة الراديوية.
أمثله لأنواع الفراشات وأبى دقيقات والجنادب:





وجه الإعجاز العلمي في الحديث:
شبه علماؤنا سقوط الْجَاهِلِينَ والعصاة  فِي نَار الآخِرَة بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا  لِهَوَاهُ، وَضَعْف تَمْيِيزه، وَكِلاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلاكِ نَفْسه، سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ، ولكن بعد هذه الحقائق العلمية السابقة فمن الممكن أن نقول:
إن الفراش لا ينجذب إلى النار لضعف تمييزه أو لجهل منه فقط بل ينجذب للأشعة فوق البنفسجية التي تثيره لعمل عملية التزاوج ويصر عليها لكنه يفاجىء بمصيره الحتمي بوقوعه في النار.
وكذلك حال العاصين والمخالفين للرسول  فانجذابهم للنار بسبب غواية الشهوات لهم، وهم لا يرون الأشياء على حقيقتها كالفراش لا يرى النار الحارقة على حقيقتها لكن يراها  بعين ترى الأشعة فوق البنفسجية فقط فيرى النار بشكل مختلف تجعله ينجذب إليها، بينما المخالفين تحجبهم رؤية الشهوات والاستمتاع المؤقت بها  عن رؤية نار يوم القيامة. وينطبق على المشبه والمشبه به المثل القائل: رب نفس عشقت مصرعها
وخلاصه القول إن لنار الآخرة جاذبية تجذب إليها الخارجين على حدود الله والمنفلتين من سياج الشريعة بسبب حبهم لمتع الدنيا المحرمة وجهلهم بعواقب أمورهم،  كما أن لنار الدنيا جاذبية تجذب إليها الجنادب والفراش بسبب إدراكهم المحدود لما يحبونه وعدم إدراكهم لعواقب الأمور. وفي هذا الحديث العظيم نلحظ نوعين من الإعجاز الأول: بلاغي: وهو دقة التشبيه النبوي بين حالة مادية محسوسة مشاهدة وبين حالة معنوية وجه الشبه فيهما يكاد يكون متطابقا وهو إعجاز علمي والثاني إعجاز علمي: وهو تخصيص الرسول  نوعين فقط  من الحشرات للتمثيل بهما إحداهما الفراشات والأخرى الجنادب وهي  نطاطات الأوراق  والتي تنجذب بشكل واضح وظاهر لأي مصدر من مصادر النار المشتعلة التي تشع الأشعة فوق البنفسجية.
 
http://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/93-Thirty-number/960-Scientific-accuracy