أبو القاسم الزهراوي.. رائد الطب الجراحي
د. عبدالحفيظ حداد
اسمه ونسبه ونشأته:
هو خلف بن العباس المكنى بأبي القاسم الزهراوي، وذلك نسبة إلى مدينة الزهراء التي ولد فيها عام 422 هجرية الموافق لعام 1030 ميلادية، وتوفي سنة 1106 ميلادية. والزهراء مدينة من مدن الأندلس. لقد كان أبو القاسم الزهراوي من عائلة تنتمي إلى الأنصار ـ فأصله من المدينة المنورة ـ ولكنه نسب لمكان ولادته فقيل له الزهراوي، ولذلك كان يلقب بالأنصاري.
في هذه المدينة العظيمة عاش الزهراوي إلى أن توفي سنة 1106 ميلادية(1). ويخالف الدكتور محمود الحاج قاسم محمد في ذلك فيقول: بأن الزهراوي قد ولد عام 936م وتوفي عام 1013م(2).
طلبه لعلوم الطب ونبوغه فيها ورسوخ قدمه في مجال الجراحة الطبية:
لا يعرف الكثير من أخبار الزهراوي، ولكن من خلال النـزر اليسير ـ الذي وصل ـ من سيرته العلمية نستطيع القول بأن الزهراوي قد التحق بالعمل في المستشفى بقرطبة ـ والذي كان قد أنشأه الخليفة عبدالرحمن الناصر ـ حيث كان يُعمِل النظر في الطرق والوسائل المستخدمة في علاج المرضى، ومع المطالعة وتلك المتابعة الجادة تكونت شخصيته العلمية، وترسخت قناعاته في المضمار الطبي، وكانت قاعدة الانطلاق لديه استقرار الفكرة عنده بأهمية مزاولة الطبيب لفن الجراحة بدلاً من أن يوكل ذلك لمن كان يسمى إلى ذلك الحين ـ صاحب الصنعة ـ وهو عادة من الحجّامين أو الحلاقين، حيث كان الأطباء يأنفون من ممارسة تلك الأعمال الجراحية التي تقتضي غمس أيديهم بالدم والقيح؛ ولذلك فإن الزهراوي وباستقرار هذه الفكرة عنده قد مارس الجراحة وحذق فيها وصبر على الانتقادات التي وجهت إليه حتى برع وأبدع وصار علمًا فيها. ولذلك يقول الدكتور أحمد طه: (إن الزهراوي علم من أعلام الطب الجراحي لدرجة أنه لا يكاد يذكر اسمه إلا مقترنًا مع الطب الجراحي).
ونظرًا للآثار العلمية التي خلفها الزهراوي مما اعتمد عليه الأوروبيون في تعليم الطب للطلاب ـ فإن اسمه لا يزال يتردد في أوروبا وبطرق مختلفة، فهو يسمى أبولكاسس ABULCASIS والبلكاسس، والسروي، وأكاراني، والزهراوي، وزاهرفيوس، والكارافي. لقد كان أبو القاسم الزهراوي إحدى الثمرات التي قطفتها الإنسانية من بستان الإسلام، والتي سعدت بها وبأمثالها الأجيال من خلال ما تركته من بصمات الخير في رعاية المصالح ودرء المفاسد، وقيام صرح الحضارة الإنسانية على قواعد راسخة، أجل لقد كان كل ذلك بجهود أمثال الزهراوي العظيم(3).
نبوغه في المجالات الطبية المختلفة:
مجالات أخرى كان للزهراوي حضور متميز فيها ومن ذلك ما يلي:
أ ـ في ميدان علم التوليد، ومن ذلك يحكي لنا الدكتور الدفّاع نقلاً عن الدكتور محمد القاضي: (إن الزهراوي هو أول من أوصى بولادة الحوض المسماة في أمراض النساء (وضع والثر) في الولادة... ووصفه الزهراوي وصفًا دقيقًا، ولكنه نسب إلى العالم الأوروبي (والثر)!. وهذا يذكرنا بما أوردته في مقالي عن ابن النفيس.
ب ـ مزاولته الأعمال الصيدلانية وفن التعقيم، وفي هذا يقول الدكتور الدفاع عنه: (وقد قضى الزهراوي معظم حياته يمارس مهنة الطب والصيدلة في مدينة الزهراء، ونال شهرة عظيمة في هذا المجال، كما استمر في دراسته للعلوم الشرعية والعلوم الطبيعية فأبدع فيها، وكان الزهراوي دقيقًا في عمله إذ كان يعقم آلاته التي يستخدمها في عملياته الجراحية بمادة الصفراء، للتأكد مـن تطهيرها قبل إجراء العملية. وقد أثبت الطب الحديث أن مادة الصفراء تقلل من تواجد البكتيريا.
ج ـ جهوده الحثيثة في وصف السرطان وعلاجه، ولنسمع ما يقوله الدكتور الدفاع بهذا الصدد: من الأمراض التي شغلت الزهراوي ومعاصريه مرض (السرطان) وعلاجه، فقد أعطى لهذا المرض الخبيث وصفًا وعلاجًا بقي يستعمل خلال العصور حتى الساعة، فلم يزد أطباء القرن العشرين كثيرًا على ما قدمه علامة الجراحة)، ثم ذكر قبَسًا مما قاله الزهراوي في هذا المجال مما لا داعي للإطالة في إيراده.
د ـ مزاولته علاج أمراض الأنف والحنجرة والعين والأذن، ولذلك يقول عنه الدكتور أحمد شوكت الشطي: (يعد الزهراوي أول من وصف مرض الناعور وصفًا صحيحًا، وهو مرض وراثي خطر، متصف بصعوبة رقوء الدم حين النزف.
هـ ـ عنايته بالطب النباتي وعلم التغذية وفي هذا السياق يذكر لنا الدكتور الدفاع عنه ما يلي: (بحث الزهراوي في تحضير بعض العقاقير المعدنية والنباتية والحيوانية... كما تعلم ابن البيطار كيفية صنع الخبز المركب من أجود أنواع القمح، وأيضًا استخراج الزيت من النبات: (كان الزهراوي طبيبًا فاضلاً خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج وله تصانيف مشهورة).