السلام عليكم | العدد الثالث
السلام عليكم
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



سلام من الله عليكم و رحمته وبركاته ..
لبثت مليا أثناء إعدادي لهذه الافتتاحية لعدد جديد من مجلتكم الغراء (الإعجاز) وأنا أتأمل كم كانت وعرة وشاقة تلك الرحلة التي خاضها العلم مع الإنسان على مدار تاريخ البشرية الطويل،ليقنعه بأنه حق وما عداه زيف، وانه صدق وما دونه ضلال، وكم خاض من حروب مع المرجفين المعاندين، من الكهنة والسنة و المشعوذين الذين يكبلون الشعب بأغلال الجهالة ليبقونهم عبيدا لترهاتهم، حتى جاء الدين الحق يحمل مشعل النور لعالم أغرقه الظلام بين عابد للحجر،وعابد للشجر،وعابد للبشر،وعابد للبقر .. وأمم تترى ألغت عقولها واسلمت للدجالين قيادها، فكانت دعوة الإسلام في الكون بمثابة الإحياء للموات وصدق القائل مخاطبا نبي الرحمة و الهداية (صلي الله عليه وسلم):
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
أخوك عيســى دعا ميتـا فقـام لـه وأنت أحييت أجيالا من الرمم

وجاءت أول آيات الوحي السماوي لمحمد صلى الله عليه وسلم دعوة للعلم وللقراءة و الكتابة رغم أنها نزلت على أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ..ولكنها وفي آيات قصيرة المبنى جليلة المعنى طوفت باقتدار بين الأرض و السماء و الخلق و الخالق و العلم و الأيمان لتختتم - بأعظم ما امتن الله به على عباده – بإخراجهم من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم فقال تعالى

(اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم)
ومضت هذه الأمة ترفع مشعل العلم وتعلى رايته، وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعدم المخترعين و المكتشفين كان خلفاء المسلمين يكافئون العلماء بوزن مؤلفاتهم ذهبا، وعندما أهديت بعض المبتكرات التقنية التي اخترعها المسلمون إلى بعض ملوك الغرب فزعوا منها ظانين أن جنا يسكنها و يحركها ...ثم سقط لواء العلم من يد هذه الأمة
(وتلك أيام نداولها بين الناس)
وورثت تراثها العلمي المجيد أمم أخرى، ومن خلاله أيقنوا أن العلم هو الحكم الثقة فارتضوه، ورعوه، ونما بين أيديهم حتى أصبح دينهم وديدنهم، وهم الذين طالما نبذوه وراء ظهورهم ..


وتمضي بنا الرحلة حتى نبلغ العصر الحديث، الذي أجمع الكل على تسميته بعصر العلم. أجل إننا في زمن يسميه الجميع زمن العلم، الطبيب و الفقيه و المهندس و الفلكي و العسكري ..إذاً الأمر الذي بهر العقول في هذا الزمن هو العلم، إن الإنسان صعد بالعلم إلى الفضاء، وبالعلم غاص في البحار، و بالعلم استطاع أن يتعامل مع الذرة و يطوعها لخدمته سلما و حربا...وبالعلم بهرت العقول،فلا بد أن يكون إعجازنا في هذا الزمن إعجازا علميا، من اجل أن نقول في زمن العلم إليكم الحجة العلمية أيها الناس لتعلموا أن دين الله حق،ومن هنا تأتي أهميته، فحيث إننا نعيش في زمن بهر الناس بالعلم فلا بد أن يكون الانبهار و الإعجاز وإعمال هذه العقول من خلال العلم، فلزم أن يكون هناك إعجاز علمي في القرآن و السنة.. وهيئة الإعجاز تقوم بهذه الرسالة،ثم هو خطاب للعقول في أرقى صورها،خطاب إلى العقول في أعلى درجات إدراكها،ففي عصر العلم أنت لا تخاطب جهلة ولكنك تخاطب علماء ..و العلم هو السلاح المقبول الذي لا يرفضه أحد،واذهب إلى مراكز العلم و إلى الجامعات العالمية .. لن يؤمنوا إذا أنت أتيت بأسلوب الإعجاز البياني أو التشريعي أو غيره مما عرضنا له في العدد السابق، يريدون شيئا علميا،فأنت تخاطبهم بهذه اللغة، وبذلك تستطيع أن تصل إلى قلوبهم.
في أثناء انعقاد المؤتمر السعودي الطبي الثامن الذي شاركت فيه هيئة الإعجاز العلمي انتحى بي أحد العلماء الكبار في علم الأجنة وهو مارشال جونسون وقال:صدقني يا دكتور لو كانت هذه الحقائق التي قدمتموها عندنا لأقمنا الدنيا ثم لا نقعدها،كيف تكون عندكم الدلالة على صدق نبيكم وتسكتون.
فلا عجب أن بذلت جهود المخلصين لبيان شواهد الأعجاز العلمي في القرآن و السنة،فالقرآن الكريم يحوي أكثر من ألف آية تتحدث عن العلم .. وقد تجلت حجة الله البالغة في وحيه المنزل من خلال مكتسبات العلم الحديث، وعلينا أن نأخذ العبرة من ذلك..فأمتنا الإسلامية في سيرتها الناصعة كان ماضيها علما عملاقا،وسوف تبقى حجية القرآن أبدية إلى قيام الساعة. وحاضرها أملا منشودا، ومستقبلها عودا حميدا بأذن الله.
إن الإعجاز العلمي هو الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدي السالم من المعارضة الذي يتعلق ببحث قضية علمية وصل العلم فيها إلى سقف المعرفة وكانت دلالة النص على ها دلالة ظاهرة،فاتفقت الحقيقة العلمية مع الدلالة الشرعية الظاهرة الواضحة في القرآن و السنة.. الله سبحانه و تعالى حدثنا في كتابه عن أخفض وأدنى بقعة في الأرض ذاكرا أنها البقعة التي وقعت فيها معركة بين الروم و الفرس فقال جل ذكره
:( ألـم.غلبت الروم)
أين غلبت؟(في أدني الأرض)في أدني بقعة من الأرض تحت مستوى سطح البحر وهي المنطقة القريبة من بحيرة طبرية إحدى بقاع اغوار الأردن، والتي تنخفض عن سطح البحر 395م ..
(غلبت الروم في أدنى الأرض) أي في تلك البقعة المنخفضة..فكيف عرف محمد(صلى الله عليه وسلم) ومن أخبره بذلك ؟
إنه الله الذي خلق الأرض ويعلم حقائقها و أسرارها سبحانه و تعالى .. لقد فهم أكثر الأولين أن الأدنى هو الاقرب،لان المعركة وقعت في منطقة متاخمة للجزيرة العربية،وهو فهم صحيح يحتملة النص لغة وحدثا إلا أن مكتسبات العلم الحديث اعطتنا معنى هو اكثر دقة في بيان دلالة اللفظ القرآني على موقع الحدث .. وهو ما لم يكن من الاولين أن يدركوه في ضوء إمكاناتهم و معارفهم..إن أدنى الأرض اخفضها وأدناها عن مستوى سطح البحر،وهذا المعنى لم يكن معروفا أو مكتشفا من الناحية الجيولوجيه،وعرف حديثا بعد أن رصدت بقاع الأرض وأجريت الدراسات لمعرفة أعلى بقعة في العالم عن مستوى سطح البحر، وهي قمم جبال الهملايا بشرق آسيا وأدنى نقطة في منطقة النحر الميت .وفي ضوء هذا المعنى يكون القرآن قد اخبرنا عن أدنى بقعة في الأرض وهي الأرض التي دارت فيها تلك المعركة . ويؤكد ذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما فسرها بأرض الأردن و فلسطين، وهذه بعض شواهد الإعجاز في القرآن وهي كثيرة ومتجددة ..وفي هذا العدد من المجلة سنطوف معا في آيات الكون والآفاق وننهل سويا من معين كتاب ربنا جل وعلا وسنة نبيا(صلى الله عليه وسلم) في مجال الإعجاز والقدرة.
فهذه المجلة هي اللغة الحية التي سوف تتواصل مع أهل الحجة .وإن حرصك على اقتنائها و الاطلاع عليها سوف يكشف لك الكثير من كنوز المعرفة؛التي تعد منارات تضئ الطريق . وتوفر لك قدراً واسعا من الإلمام بنوع متخصص من الأبحاث العلمية الشرعية؛ التي لا تتوفر في غيرها؛كما انك باقتنائك لها و اشتراكك فيها ستسهم في دعم تلك الجهود الجبارة التي تبذلها الهيئة نحو المزيد من الفتوحات في القلوب و العقول.
و الله الهادي إلى سواء السبيل..