تأريخ ارتطام نيزك الوبر في الربع الخالي | العدد التاسع عشر
تأريخ ارتطام نيزك الوبر في الربع الخالي
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



د. حسن محمد باصرة

أستاذ علم الفلك

تُعَدُّ حوادث الارتطامات النيازكية من الأمور التي يهتم بها علم الفلك للتوصل إلى إفادة إحصائية لمعدل حدوثها. وأهم الأحداث النيزكية ما تم اكتشافه في الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية والذي يدعى بنيزك الوبر (خط العرض 21.49 شمالاً وخط طول 50,47 شرقًا). ويتميز هذا الحدث النيزكي بسقوطه في بحر من الرمال في منطقة نائية عن الحركة البشرية، مما حفظ آثار ارتطامه كما هي، بعد أن غمرتها الرمال. وقد اكتشفه المستشرق والرحالة فليبي سنة (1932)، ثم توالى استكشاف هذا الموقع خلال العقد الأخير من القرن الميلادي المنصرم.


وقد احتوى موقع الوبر على ثلاث فوهات نيزكية رئيسة 116، 64، 11 مترًا، أما ارتفاع الحواف فقد كان ارتفاعها سنة 1932م حوالي 12 مترًا، ثم 8 أمتار في سنة 1961م، ثم 3 أمتار في 1982م، أما في الرحلة الأخيرة فتظهر وقد امتلأت تقريبًا بالرمال.
كما أوضحت الدراسات الدقيقة أن تركيز آثار الارتطام على الأجزاء الجنوبية الشرقية من الفوهات بينما ينعدم في النواحي الشمالية والغربية مما يشير إلى أن سقوط النيزك كان بميل ومن اتجاه الشمال الغربي. وقدرت سرعة النيزك قبل الارتطام ما بين 4.000 إلى 60.000 كيلومتر بالساعة، وكتلته بحوالي 3.500 طن، بها حوالي 90% من عنصر الحديد. وكان لسقوطه ذي الميل الشديد كبير الأثر في جعل الاحتكاك الجوي هائلاً مما يجعل جرم النيزك يتكسر في الهواء قبل وصوله إلى الأرض إلى حوالي أربع قطع. قُدِّر الأثر الناتج عن ارتطام أكبرها بقوة القنبلة النووية التي أسقطت على هيروشيما. وقد غطت آثار الارتطام حوالي 500×1.000 متر. كما جلبت إحدى قطع هذا النيزك ـ والتي تزيد كتلتها عن طنين ـ إلى جامعة الملك سعود بالرياض، وهي موجودة الآن بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض.


وقد كان أول تقدير لتأريخ هذا الحدث اعتمادًا على مشاهدة كرة نارية عبرت سماء مدينة الرياض (على بعد حوالي 550 كلم من موقع الوبر) في اتجاه موقع الحدث، وذلك خلال إحدى الزخات الشهابية سنة 1863م أي حوالي 141 سنة (شمسية/ ميلادية) مضت.


ومن ناحية أخرى أفادت الدراسات الكيميائية الأولية أن عمر هذا الحدث حوالي 450 سنة، ثم أشارت الأبحاث الأخيرة (2003م) من جامعة إيديليد باستراليا على العينات المجمعة مؤخرًا من موقع ارتطام النيزك أثناء الرحلات الأخيرة إلى نتائج تقديرية جديدة وهي 290-+ 30 سنة، وفي مقالنا هذا نشير إلى تقدير يصل إلى حوالي 300 سنة، وذلك استنادًا لما أشارت إليه بعض المشاهدات التاريخية لحادثة ظهور كرة نارية في السماء ليلاً أذهلت كل من رآها.


فإذا رجعنا تاريخيٌّا فإن ظاهرة تساقط الشهب تُعدُّ من الظواهر العادية التي اعتاد الناس على رؤيتها وخصوصًا قبل ثلاثة قرون، لكن عندما يكون لذلك الشهاب جرم كبير ـ فإنه سيخترق الغلاف الجوي ككرة نارية بشكل لامع ولافت للنظر فهذا الأمر لن يطوه النسيان، بل سيخلد في الذاكرة. ونحن هنا بصدد بعض المقاطع الشعرية التي تؤرخ لحدوث توهج عظيم هال الناس رؤيته من ضواحي مدينة تريم الواقعة في الشمال الشرقي لوادي حضرموت، وهي أقرب المدن إلى الربع الخالي وتقع جنوب غرب منطقة الوبر (خط عرض 16.5 درجة شمالاً، وخط طول 48.98 درجة شرقًا).

وتمتد ضواحي تريم بالاتجاه الشمالي الشرقي من المدينة، وذلك باتجاه موقع سقوط نيزك الوبر، وعلى بعد يقدر بحوالي 600 كيلومتر، مما قد يشير إلى حادثة نيزك الوبر. وقد تمت الإشارة إلى تاريخ هذه الرؤية بالتحديد ليلة السبت التاسع والعشرين من ربيع الثاني عام ألف ومئة وست عشرة هجرية. وقد وصفت الواقعة كريح صاحبها إضاءة شديدة مروعة كما صورها وسجلها لنا شاعران:


الأول: السيد علوي بن حسن جمل الليل ـ لواقعة ظهور نار كريح في ضاحية تريم فقال مؤرخًا لها:

وفي ليلة السبت ريح بدت      بنار وأمـر لـنا مـرهــب

فقيل لـمـاذا فقلت أتت        لـمـيز الخبـيث مـن الطيب

تريـم كطيبة معـنى أتى       ككير كمـا فـي حديث النبـي

وآيـة تخويف مـن ربنـا     ولله سر بها يـا غــبي


الثاني: وصف الشيخ عمر بن أبي بكر الشبامي لهذه الحادثة فقال مؤرخًا لها:

إن نارًا قد تبدت         عبرة للنـاظـر

فانثنى من قد رآها       بفـوائـد طائـر

ليلة السبت تراءت       في ظلام كـافـر

ولعشـرين وتسع        من ربيع الآخـر

بتريـم شاهدوهـا      عن دليل ظاهـر

عامها يا صح أرخ      بـربـيع الآخـر


هكذا نجد أن المقطع الأول يبين لنا رهبة الحدث والنار المصاحبة له ومثلها بآية من المولى ـ عز وجل ـ كما حدد ليلة ظهورها. أما المقطع الثاني فزاد أن من شدة رهبة الحدث أن من رأى هذه النار التي تبدت في السماء ينثي عن الأمر الذي كان بصدده، أو أنه يثني ركبتيه وينزل أرضًا من الخوف الذي اعتراه، وقد صوره الشاعر بأن فؤاده قد طار من الرعب. كذلك نجد هنا أنه قد تحدد التاريخ والشهر مباشرة، أما السنة فقد استخدم الناظم البراعة الأدبية، فأشار إليها بحساب الجُمَّل (وهو استخدام الحروف مقام الأرقام) وذلك عندما قال (بربيع الآخر) فمجموع هذه الحروف ألف ومائة وستة عشر كما في الجدول التالي:

 

ب

ر

ب

ي

ع

ا

ل

ا

خ

ر

2

200

2

10

70

1

30

1

600

200

 

وهكذا نجد أن هذين المقطعين من الشعر يوضحان مدى شدة توهج ذلك الشهاب، والذي حدثت رؤيته من ضاحية مدينة تريم الواقعة على امتداد الشمال الغربي للمدينة، وهو اتجاه منطقة الوبر، مما قد يشير إلى تقدير جديد لتاريخ حدوث الارتطام النيزكي وهو ليلة السبت 29/4/1116هـ والموافق 1/9/1704م، أي قبل حوالي الثلاثمئة سنة، وهذا الرقم محصور بين التواريخ التي حصرت توقعات زمن وقوع هذا الحدث وخصوصًا التقدير الحديث 2003م من جامعة إيدليد. ولعل هذا التقدير الجديد لزمن حدوث هذا الارتطام سيساعد في التوصل إلى زيادة الدقة في تحديد معدل حدوث مثل هذه الارتطامات على الكرة الأرضية.

 

المراجع:

1)    Phillby H. St. J. (1933): An account of exploration in the great south desert of Arabia: Geographical J, Vol 81, pp.1-26.

2)    Wynn J.C. (1998): The day the sand caught fire: Scientific America J., No. 5, pp. 36-45.

3)    Wynn J. C. & E.M.Shoemaker (1997): Sky & Telescope, November,pp. 44-48.

4)    Basurah H. M.: Estimating a new date for the Wabar meteorite impact: Meteoritics & Planetary Seience, 2003, 38, 155 – 156.

5)    السقاف، عبدالله بن محمد بن حامد: تاريخ الشعراء الحضرميين 13