دراسـات إكلينيكيـة سـيكومترية للأعراض النفسية المصاحبة للأمراض المهددة للحياة | العدد السادس عشر
دراسـات إكلينيكيـة سـيكومترية للأعراض النفسية المصاحبة للأمراض المهددة للحياة
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



دراسـات إكلينيكيـة سـيكومترية للأعراض النفسية المصاحبة للأمراض المهددة للحياة

د. عبدالله حسن فقيه 

أولاً: ملخص الدراسة

تعد الأمراض من المشكلات التي تهدد المجتمعات الإنسانية، ولكن أكثر تلك الأمراض أهمية تلك الأمراض المهددة للحياة، ويقع السرطان على رأس قائمة تلك الأمراض، وقد أثبتت الدراسات الحديثة انتشار هذا المرض في البلاد النامية، وتوقعت زيادة نسبة الإصابة به، وأنه سيصبح من أكبر المشكلات الصحية فيها. ويؤدي السرطان إلى اضطرابات جسمية كثيرة ومتنوعة كالالتهابات المختلفة، والشعور بالإجهاد والغثيان، وفقدان الشهية، والإسهال، وسقوط الشعر، وفقدان الخصوبة والقدرة الجنسية، واضطرابات الجهاز العصبي المركزي، وتغيرات الوزن، هذا بالإضافة إلى أعراض نفسية مثل القلق والاكتئاب والأرق، ويعاني مرضى السرطان من بعض الآثار الاجتماعية الضاغطة، مثل فقدان الدخل، والانعزال الاجتماعي، والوصمة الاجتماعية. وقد تناول كثير من الباحثين الاستجابات السلوكية والأعراض النفسية المرتبطة بمرض السرطان مثل شعور المرضى بالفوضى والقلق والخوف، والانكسار والقلق والاكتئاب. ويقرر باحثون آخرون أن مرضى السرطان يستخدمون الإنكار لتقليل الفزع المرتبط بمرض السرطان، ويشيع لديهم القلق والاضطراب الانفعالي، بينما ركزت فئة أخرى من الباحثين على الاكتئاب بوصفه الاستجابة الشائعة لدى مرضى السرطان، وأنه قد يؤدي إلى أن يحاول بعضهم الانتحار.

مشكلة الدراسة:

لقد وجد الباحث اهتمامًا كبيرًا في المجتمعات الغربية بدراسة أمراض الأورام السرطانية باعتبارها أم الأمراض المهددة للحياة، وما يصاحبها من تأثيرات نفسية قد تصل إلى درجة الألم، وما يوازي درجة الألم العضوي الأمر الذي دفع تلك المجتمعات إلى إحداث نقلة نوعية في التعامل مع هذه الأمراض العضوية السرطانية وخصوصًا من الزاوية النفسية، ولقد كانت محصّلتها قيام ذلك الفرع من علم الأورام السرطانية والذي أطلق عليه (علم نفس الأورام Psycho-oncology) بينما لم نجد في المجتمعات العربية اهتمامًا بدراسة هذا الجانب دراسة علمية تقتصي أبعاده وترصدها لتحديد معالمها أولاً، ورسم الخطط العلاجية المناسبة لها ثانيًا.

وعلى ضوء ذلك فإن الباحث يرى أن الأمر يستدعي ضرورة دراستها بشكل أعمق عبر الثقافات الأخرى أيضًا، ومنها المجتمع السعودي، وأن أول تلك الجهود لابد أن يركز على تكوين معلومات وصفية موضوعية حول معدل الانتشار لتلك الأعراض النفسية في أوساط مرضى السرطان على مختلف أنواعه، وعلاقة ذلك ببعض المتغيرات مثل السن والجنس وموقع الإصابة وتفاعل هذه المتغيرات مع بعضها بعضًا.

ومن هنا أراد الباحث أن يقوم بدراسة لمعرفة الفروق بين مرضى السرطان وبين الأسوياء في حدة الأعراض النفسية ـ استنادًا إلى أن الفروق بين المرضى والأسوياء فروق في الدرجة وليست فروقًا في النوع. ومعرفة أهم الأعراض النفسية التي يعاني منها مرضى السرطان، وهل تختلف حدة الأعراض باختلاف موقع الإصابة بالسرطان، ومعرفة الفروق بين الذكور والإناث من مرضى السرطان في حدة الأعراض النفسية.

ومن هنا تهدف الدراسة إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية:

1 ـ هل هناك فروق بين مرضى السرطان وبين الأسوياء في حدة الأعراض النفسية؟

2 ـ هل تختلف حدة الأعراض النفسية لدى مرضى السرطان باختلاف موضع الإصابة؟

3 ـ هل تختلف حدة الأعراض النفسية لدى مرضى السرطان باختلاف نوعهم (ذكورًا ـ إناثًا)؟

4 ـ هل يلعب التفاعل ببعض المتغيرات كالنوع وموضع الإصابة والحالة المرضية دورًا في حدة الأعراض النفسية لمرضى السرطان؟

أهمية الدراسة

تعد هذه الدراسة على درجة كبيرة من الأهمية من الناحيتين النظرية والتطبيقية.

(أ) من الناحية النظرية

تهتم الدراسة بموضوع له أهميته من الوجهة النظرية، حيث إنها تتخذ من الأعراض النفسية المصاحبة لمرض السرطان موضوعًا لها، وتتناول الفروق بين المرضى والأسوياء في تلك الأعراض النفسية، والفروق بين الذكور والإناث، والفروق بين فئات مرضى السرطان على حسب نوع الإصابة، ومن هنا يتوقع الباحث أن تسد هذه الدراسة ثغرة في التراث البحثي وتضيف إلى المعرفة المتوافرة فيما يتعلق بالاستجابات النفسية المرضية للأعراض الجسمية والفروق الفردية بين المرضى وبين غير المرضى، والفروق بين الذكور والإناث، ومدى تأثير نوع الإصابة بالسرطان في حدة الأعراض النفسية، وهي مجالات تحتاج إلى الكثير من الدراسات لتمحيص المعلومات المتوافرة من قبل والإضافة إليها واقتراح المزيد من الدراسات والبحوث.

(ب) من الناحية التطبيقية

وهي تتعلق بما قد يستفيد المتخصصون في علم الأورام وفي مجال العلاج والإرشاد النفسي والمهتمون بالتعامل مع مرضى السرطان من مثل هذه الدراسات في معرفة الأعراض النفسية التي تعتريهم وكيفية التعامل مع أولئك المرضى من الناحية النفسية لزيادة كفاءة التأهيل والعلاج.

فروض الدراسة

الفرض الأول:

توجد فروق دالّة إحصائيٌّا في متوسط درجات الأعراض النفسية (لدى عينة الدراسة) كما تقيسها قائمة الأعراض المختصرة SCL وقائمة بيك Beck للاكتئاب وفقًا للحالة المرضية (مصاب/غير مصاب).

الفرض الثاني:

توجد فروق دالة إحصائيٌّا في متوسط الأعراض النفسية (لدى مرضى السرطان) كما تقيسها قائمة بيك للاكتئاب BSI وقائمة الأعراض المختصرة SCL وفقًا لمتغير الجنس (ذكور/إناث).

الفرض الثالث:

توجد فروق دالة إحصائيٌّا في متوسط درجات الأعراض النفسية (لدى مرضى السرطان) كما تقيسها قائمة الأعراض المختصرة SCL وقائمة بيك Beek للاكتئاب وفقًا لتفاعل الجنس (ذكور/ إناث) وموقع الإصابة (أنواع السرطان).

الفرض الرابع:

توجد فروق دالة إحصائيٌّا في متوسط درجات الأعراض النفسية التي يعاني منها مرضى السرطان كما تقيسها قائمة الأعراض المختصرة SCL وقائمة بيك Beek للاكتئاب باختلاف موقع الإصابة (أنواع السرطان).

الفرض الإكلينيكي:

توجد اختلافات في دينامية الشخصية بين الحالات الطرفية الأكثر ارتفاعًا والأكثر انخفاضًا على مقياسي الدراسة كما يوضحها اختبار تفهم الموضوع TAT.

عينة الدراسة

قام الباحث باختبار فروضه عن طريق اختيار مجموعتين بلغ عددهم (300) شخص تم تقسيمهم إلى مجموعتين متساويتين إحداهما من مرضى السرطان (150)، والأخرى من الأسوياء (150)، وذلك لمعرفة الفروق بينهما في متغيرات الدراسة، ومن ثم قام الباحث باختيار مجموعتين متكافئتين في المتغيرات التي يمكن أن يكون لها أثر على الظاهرة المدروسة، وقد قام الباحث بحساب أوجه التكافؤ بين المجموعتين وفقًا لبعض المعادلات الإحصائية.

أدوات الدراسة:

استخدمت الدراسة مقياسان من المقاييس النفسية الشهيرة، وذلك للوفاء بأغراض الدراسة السيكومترية حيث تستخدم هذه المقاييس في التقويم لمثل أغراض بحثنا عبر ثقافات مختلفة والمقياسان هما:

1 ـ مقياس قائمة مراجعة الأعراض المختصرة SCL 90.

2 ـ مقياس الحالة المزاجية (بيك) (النسخة المقننة على البيئة السعودية).

أما فرض الدراسة الإكلينيكي فقد استخدم الباحث أحد أشهر المقاييس الإسقاطية الإكلينيكية وهو مقياس لفهم الموضوع (TAT).

حدود الدراسة:

تحدد هذه الدراسة زمانيٌّا بالفترة الزمنية التي أجريت فيها؛ وهي الفترة من 2000م إلى 2002م. وبالمجتمع الذي أجريت فيه وهو مرضى السرطان بأنواعه في المجتمع السعودي، وتحديدًا في منطقة مكة المكرمة الإدارية، حيث تمت الدراسة التطبيقية في مستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام بمحافظة جدة، وبالعينات التي تم إجراء الدراسة عليها وبالأدوات المستخدمة فيها ونتائجها التي تم الخروج بها.

الأسلوب الإحصائي:

أ ـ المتوسطات الحسابية.

ب ـ معاملات الارتباط.

ج ـ اختبار (ت) T test.

د ـ تحليل التباين.

نتائج الدراسة

1 ـ وجود فروق دالة إحصائيٌّا بين مجموعتي الدراسة حيث كان مرضى السرطان أكثر اكتئابًا من الأسوياء.

2 ـ وجود فروق جوهرية بين مجموعة مرضى السرطان (المجموعة التجريبية) والأسوياء (المجموعة الضابطة) دالة إحصائيٌّا في: الأعراض الجسمانية، والوسواس القهري، والحساسية التفاعلية، والاكتئاب، والقلق، والعداوة، وقلق الخواف، والبرانويا التخيلية، والذهنية، وإن مرضى السرطان أعلى من الأسوياء بشكل دال إحصائيٌّا في: الأعراض الجسمانية، والوسواس القهري، والحساسية التفاعلية، والاكتئاب والقلق، وقلق الخواف، والبرانويا التخيلية، والذهنية، بينما كان الأسوياء أعلى بشكل دال إحصائيٌّا من مرضى السرطان في العداوة.

3 ـ وجود فروق دالّة بين الذكور والإناث من مرضى السرطان لصالح الذكور في بعض الأبعاد التي تمثلها قائمة الأعراض المختصرة وقائمة بيك.

4 ـ هناك أثر لتفاعل عاملي الجنس والحالة المرضية في حدة الأعراض النفسية المصاحبة لمرضى السرطان، بالإضافة إلى أثرهما منفردين كل على حدة.

5 ـ هناك فروق جوهرية بين أنواع السرطان المختلفة في الاكتئاب والأبعاد التي تقيسها قائمة الأعراض المختصة، مما يدل على أن اختلاف موقع الإصابة بالسرطان يؤدي إلى اختلاف في درجة الأعراض النفسية.

التضمينات

(أ) توصيات الدراسة:

يمكن في ضوء النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال هذه الدراسة الخروج بالتوصيات الآتية:

1 ـ محاولة توسيع مجال الخدمة الصحية في إطار علاج هذه الأمراض بشكل يتناسب وطبيعة هذه الأمراض إكلينيكيٌّا، وجعل الرعاية النفسية لمرضى الأورام جزءًا من بروتوكولات العلاج جنبًا إلى جنب مع الرعاية الطبية للتخفيف من حدة الأعراض النفسية التي يعاني منها هؤلاء المرضى نتيجة إصابتهم بمرض السرطان، وفي ذلك جميع مراكز الأورام.

2 ـ محاولة سد العجز الكبير في القوى البشرية الوطنية ذات التأهيل غير المكلف زمنيٌّا وماديٌّا للعمل في مراكز العناية بهؤلاء المرضى، وتوفير فرص التدريب والبرامج المتخصصة لهم.

3 ـ زيادة المساهمة الفعالة وذات الأهمية من قبل الاختصاصيين النفسيين في الدور العلاجي والحيوي لهؤلاء المرضى.

4 ـ إن عدد مراكز الأورام في المملكة محدود، وتتركز في المدن الكبيرة وكل مركز يخدم العديد من المناطق والمحافظات حسب توزيع جغرافي، مما يجعل العديد من هؤلاء المرضى يتكبدون مشاق السفر الطويل وما يتبعه من أعباء جسمية واقتصادية واجتماعية، لذا فإنه من الضروري التوسع في إنشاء مراكز للأورام في العديد من مناطق المملكة ومحافظاتها.

5 ـ على الاختصاصيين النفسيين بذل المزيد من الجهد للاهتمام والاطلاع وتطوير المستوى المهني لهم، والاستعانة بكل ما هو جديد في تخصصاتهم.

6 ـ على أجهزة الإعلام والجهات المعنية نشر الوعي الصحي، والعمل على زيادة تسليط الضوء على هذه الأمراض والأسباب المؤدية إليها، وزيادة نسبة الوعي للمصاحبات النفسية لها، والعمل على إبراز الخطوط العامة لها.

7 ـ على أخصائي الأورام محاولة زيادة نسبة الاطلاع فيما يخص الجانب النفسي لمرضاهم.

8 ـ على الجامعات وأقسام علم النفس القيام بالمزيد من الدراسات والأبحاث حول هذا الجانب المهم من فروع علم النفس وعلم الأورام.

ب ـ بحوث مقترحة:

يقدم الباحث من خلال دراسته الحالية توصيات علمية بحثية، ويأمل أن تكون هذه الدراسات انطلاقة لبداية جهد بحثي منظم للعديد من الدراسات والبحوث التي تعطي هذا الجانب حقه من الاهتمام في مختلف الجوانب، وذلك لأنه ليس بالضرورة أن تكون نتائج جميع البحوث متسقة في إطار واحد، وما ثبت من خلال هذه الدراسة قد لا يثبت في دراسات أخرى، ولسد هذه الثغرات لابد من إجراء بحوث مختلفة وبأساليب متنوعة، ومنها ما يلي:

1 ـ دراسات طولية تتبعية لمرضى السرطان باختلاف أنواعه منذ بداية المرض حتى الشفاء.

2 ـ دراسات لمعرفة أثر البرامج الإرشادية النفسية للمرضى وأُسرهم.

3 ـ دراسات لبحث تأثيرات المداخلة العلاجية الطبية باختلاف أنواعها: (الجراحي، الكيميائي، الإشعاعي) على حدّة المشكلات النفسية لمرضى السرطان كأحد أهم التأثيرات الجانبية.

4 ـ دراسات تهتم بتحديد مفهوم صورة الجسم لدى هؤلاء المرضى مع مقارنة بأنواع مختلفة من السرطان عمومًا والمنتكسين بعد فترة شفائهم من المرض.

5 ـ دراسات تهتم بتحديد مفهوم صورة الجسم لدى هؤلاء المرضى مع مقارنة بأنواع مختلفة من السرطان.

6 ـ دراسات تهتم بدور الجانب الروحي والديني في خفض الأعراض النفسية لدى هؤلاء المرضى وخصوصًا في البيئات الإسلامية.

7 ـ تصميم العديد من المقياس النفسي في هذا الجانب، والعمل على تقنين ما هو موجود حاليٌّا في الثقافات الأخرى.