لفتة قرآنية في علم الآثار | العدد الرابع عشر
لفتة قرآنية في علم الآثار
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



لفتة قرآنية في علم الآثار
د. باسم طارق جمال

كلية الطب ـ جامعة الملك عبدالعزيز بجدة

(
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
) سورة هود

علم الآثار هو فرع من فروع علم التاريخ وهو علم يعنى بنشاط الإنسان السياسي والعلمي في الماضي، ومن المعايير التي يعتمد عليها علماء الآثار في تحقيق هذا التاريخ الأشياء المادية المتبقية من العهود القديمة كالأدوات والنقوش التي يعثر عليها في الأماكن القديمة.

وقف هذا العلم وعلماء هذا العلم مبهورين أمام المعلومات والوثائق التاريخية الموجودة في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً والتي لم تكتشف ولم تكن معروفة حتى زمن قريب.

هامان في القرآن الكريم:

ورد اسم هامان في القرآن الكريم ست مرات. كما ورد اسمه متصلا باسم فرعون وكشخص من المقربين إلى فرعون، قال تعالى: (
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب
) سورة غافر 36 ـ 37

وقيل أن أسترسل في جانب الإعجاز القرآني في ذكر اسم هامان يجدر بي أن أشير إلى أن اسم هامان لم يرد ولا مرة واحدة في التوراة ولم يرد ذكره في أي من المقاطع (الروايات) التي تحي حياة موسى ـ عليه السلام ـ.

ورد اسم هامان مرة واحدة فقط في أحد كتب العهد القديم، في كتاب 30 (العهد القديم يشمل توراة سيدنا موسى بالإضافة إلى كتب اليهود المقدسة الأخرى وهي كتب الرسل الذين ظهروا بعد سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ ومنها زبور سيدنا داود ـ عليه السلام ـ).

يتحدث هذا الكتاب عن شخص اسمه هامان كان مساعداً لملك بابل وعلى أنه أوقع الكثير من الضرر واشتد في قسوته على الإسرائيليين. ولكن هذه القصة تحكي عن شخص ظهر بعد سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ بحوالي 1100 سنة.

يدعي بعض غير المسلمين أن سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الذي كتب القرآن وأنه نسخ قصص الأمم السابقة من التوراة والإنجيل. كما يدعون أنه عليه ـ الصلاة والسلام ـ في خلال عملية النسخ هذه أخطأ في نقل بعض الروايات إلى القرآن الكريم وأن هذا هو سبب وجود بعض الاختلافات! بين القرآن والكتب الأخرى.

هذه الادعاءات البطالة موجودة في عدة مراجع يهودية ومسيحية. ملخص هذه الادعاءات هو أن المصدر الذي اعتمد عليه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نقل هذا الاسم هو كتبهم المقدسة، وأنه أخطأ في النقل فأشار إلى هامان على أنه وزير فرعون بينما ـ على حسب ما يدعون ـ هذا الاسم أطلق على شخص واحد فقط وهو مساعد ملك بابل. حاشاه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مما يدعون.

فجاءت الاكتشافات الحديثة في علم الآثار لتظهر سخافة هذه الادعاءات فقد ظهر بطلان هذه الادعاءات بعد أن حلت رموز وحروف الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة منذ حوالي مائتي سنة مضت. وأصبح من الممكن الكتابات والنقوش الفرعونية.

لغة المصريين القدماء هي اللغة الهيروغليفية والتي ظلوا يستخدمونها لقرون طويلة. ولكن بانتشار المسيحية والتأثيرات الثقافية الأخرى في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، تركت مصر اعتقاداتها القديمة كما تركت الكتابة الهيروغليفية. آخر مثال معروف لاستخدام الكتاب الهيروغليفية كانت لنقش يرجع إلى عام 394 بعد الميلاد إذاً نسيت هذه اللغة ولم يكن هناك من يستطيع أن يحل هذه الرموز أو يفهم هذه اللغة، وظلت هذه الحالة حتى حوالي 200 سنة مضت.

لغز الهيروغليفي المصرية القديمة حلت عام 1799م باكتشاف صخرة تسمى (صخرة الرشيد) (Rosetta stone) ترجع إلى 196 قبل الميلاد أهمية هذا النقش أو هذه الكتابة هي أنها كتبت بثلاث لغات مختلفة: الهيروغليفية (الكتابة الملكية) والديموطية (الكتابة الشعبية المتعلقة بالاستخدام اليومي) واللغة اليونانية. بمساعدة المخطوطة اليونانية تم حل شفرة الكتابة المصرية القديمة وأكملت ترجمة النقش من قبل الفرنسي جان فرانسوا شامبليون (FroncoiseCampllion Jean) وبذلك تم استرجاع لغة منسية والتعرف على كل الأحداث المتعلقة بها. وبهذه الطريقة توفرت المعلومات عن الحضارة المصرية القديمة وجميع جوانبها الدينية والاجتماعية والتايخية.

من خلال ترجمة الكتابات والنقوش الهيروغليفية تم التعرف على معلومة مهمة جداً وهي أن اسم هامان ورد فعلاً في الكتابات المصرية القديمة. توجد إشارة إلى هذا الاسم في نصب في متحف هوف في فيينا، كما ظهر في كتاب بعنوان(People in the new kingdome) الذي تم إعداده استناداً إلى مجموعة من النقوش. كما ظهرت في هذه النقوش وظيفة وطبيعة عمل هامان وهو أنه كان (رئيس أعمال الحجارة).

إذاً ـ على عكس ما يدعيه من يعارض حقيقة أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى ـ هامان هو شخص عاش في مصر في زمن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ.

كما كان مقرباً من فرعون وكان من المسؤولين عن عمليات الإنشاء والبناء كما ذكر القرآن تماماً. وبالإضافة إلى ذلك تصف لنا الآيات الحدث عندما أمر فرعون هامان بأن يبني له البرج في قوله تعالى: (
وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب
) سورة غافر: 36

في الختام وجود اسم هامان في الكتابات المصرية القديمة لا يرد فقط على الادعاءات الباطلة من المعادين للقرآن ولكنه أيضاً يؤكد ـ مرة أخرى ـ حقيقة أن القرآن الكريم وحي من الله ـ سبحانه وتعالى ـ فبهذه الطريقة الإعجازية نقرأ في القرآن الكريم معلومات تاريخية لم تكن معروفة في وقت وزمن النبي ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ.

ألقاب حكام مصر القديمة في القرآن الكريم:

سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ لم يكن الرسول الوحيد الذي عاش في مصر وكانت له صلة بتاريخ مصر القديم، سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ لقب بالملك ولم يطلق عليه ولا مرة واحدة لقب فرعون. نجد ذلك في قوله تعالى: (
وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمة قال إنك اليوم لدينا مكين أمين
) سورة يوسف: 54

على خلاف اللقب المعطي لحاكم مصر في زمن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ وهو فرعون:

(
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا
) سورة الإسراء: 101

السجلات والكتابات التاريخية القديمة الموجودة لدينا توضح السبب في اختلاف الاسم المعطى لحاكم مصر.

كلمة فرعون في اللغة الهيروغليفية تعني البيت العظيم وكانت في الأصل تطلق على القصر الملكي في تاريخ مصر القديم. حكام السلالات الملكية الأولى في تاريخ مصر القديم لم يستخدموا هذا اللقب. فاستخدام كلمة فرعون كلقب لحاكم مصر لم يبدأ حتى عهد المملكة الجديدة من التاريخ المصري القديم. هذه الفترة بدأت من السلالة الثامنة عشر (1593 ـ 1292 قبل الميلاد) وفي فترة السلالة الثانية والعشرين (945 ـ 730 قبل الميلاد) بدأ استخدام كلمة فرعون كلقب فخري للحاكم.

إذاً يتجلى لنا الإعجاز القرآني مرة أخرى سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ عاش ف فترة المملكة القديمة والتي كانت تستخدم كلمة ملك لحاكم مصر وليس فرعون بينما عاش سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ في فترة المملكة الجديدة والتي تبنت لقب فرعون لحاكم مصر.

تاريخ مصر القديم كان قد نسي في القرن الرابع الميلادي عندما اندثرت اللغة الهيروغليفية ولم تعد مفهومة والتي لم تكتشف مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر.

إذاً لم تكن هناك معلومات أو حقائق عن تاريخ مصر القديم في الفترة التي نزل فيها الوحي بالقرآن الكريم. هذه الحقيقة هي واحدة من الأدلة الكثيرة وغير المعدودة التي تبرهن على أن القرآن هو كلام الله ـ تبارك وتعالى ـ.