لقاء مع فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني | العدد التاسع
لقاء مع فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك





لقاء مع فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني

مؤسسة هيئة الإعجاز العلمي وأمينها الأول

أعد الحوار: د. حسين المحضار

فضيلة الشيخ .. منذ متى بدأت بالاهتمام بالإعجاز العلمي ولماذا بدأت ؟

عندما نشر الشيوعيون الكراسة الرمادية والتي زعموا فيها أن القرآن الكريم يتناقض مع بعضه وأنه يتعارض مع العلم، تصدى لهم الأستاذ عبد الرزاق نوفل ـ رحمه الله ـ في كتاب سماه القرآن والعلم، ولما اطلعت على هذا الكتاب أثر في تأثيراً عميقاً وحفزني إلى متابعة هذه البحوث المتعلقة بالقرآن والعلم ورأيت أنها الحجة التي ـ بإذن الله ـ تقطع ألسنة أعداء الله من الشيوعيين والملحدين ودعاة الكفر، كما رأيت أنها من أنفع الوسائل لتثبيت أولئك الذين اهتز إيمانهم وتطرقت الشكوك إلى قلوبهم.

ما مساحة الإعجاز العلمي في برنامجكم اليومي رغم مشاغلكم في أعمال الجامعة؟

الإعجاز العلمي نظراً لأهميته فقد قررت أن أتفرع له فترة من الوقت قضيتها هنا في المملكة بين جامعاتها ثم في لقاءات كثيرة مع عدد من رجالات العلم من المسلمين وغير المسلمين ثم بالترتيب لمؤتمرات دولية وكنت متفرغاً لهذا الأمر تفرغاً تاما.

والآن بالرغم من انشغالي بالأوضاع في بلاد اليمن وانشغالي فترة في المجالات السياسية، وأنا الآن اشتغل في المجالات العلمية وأسست ـ بفضل الله ـ جامعة الإيمان في صنعاء، برغم ذلك لم أنس الإعجاز العلمي ولم يغب عن خاطري وفكري بل أدرسه في الجامعة وهو مادة ضمن المواد التي تدرس في الجامعة وأقوم بمتابعة أبحاث الإعجاز العلمي لكن التفرغ كان يعطيني فرصة أكبر .

ماهو أثر الإعجاز العلمي من خلال خبرتكم الطويلة في الفترة الماضية على المسلمين وغير المسلمين ؟

للأسف الشديد أن المسلمين تأثروا بالغزو الذي جاءهم من الخارج بلبس ثوب الحضارة وأوهمهم أن الدين والحضارة يتناقضان، وأنه من أراد تقدما فعليه بالعلوم وأن العلوم الحديثة تتصادم مع الدين فانخدع كثير من المسلمين اغتالتهم هذه الأفكار، فعندما تظهر أبحاث الإعجاز العلمي وعندما يطلع المسلمون على أبحاث الإعجاز العلمي يشعرون بالسعادة والفرحة ويعلمون أن ما سمعوه عن تصادم العلم والدين أكاذيب غير صحيحة ويشعر الملك بالعزة والثقة والاطمئنان أنه على الدين الحق .

كما أن أثر الإعجاز العلمي على غير المسلمين بين واضح حيث يشهد لذلك مجموعة من كبار العلماء من غير المسلمين في شتى التخصصات العلمية المختلفة، وهو باب جديد لدخول الإسلام وقد أسلم من خلاله والحمد لله الكثيرون.

ما هو دور أجهزة الإعلام المرجو لبيان حقائق الإعجاز العلمي للعالم الإسلامي ؟

دور أجهزة الإعلام في الأصل أن تحمل الرسالة للعالم كله ورسالتهم هي الدعوة إلى الله وإنما تقوم على الإقناع والدليل، فإذا كان الإعجاز العلمي يؤثر على المسلمين ويثبتهم على دينهم ويمكن للإيمان في نفوسهم فهو وسيلة عظيمة مؤثرة في دعوة غير المسلمين وبيان أن هذا الدين هو الحق الذي وعد الله سبحانه الناس بقوله تعالى: (
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
) وأجهزة الإعلام تستطيع أن تحمل هذه الرسالة إلى الناس كافة لتثبيت المسلمين على الدين الحق، كما تحمله لغير المسلمين فتدعوهم إلى الإسلام.

هنالك من له ملاحظات على الذين يكتبون أو يحاضرون عن الإعجاز العلمي، ما هي الضوابط في مجال الإعجاز أو ما هو النهج الأمثل في البحث أو الكتابة في الإعجاز ؟

كانت هذه القضية هي التي تشغلني مع إخواني عند تأسيس هيئة الإعجاز العلمي كنا نجد أن هناك من يكتب في الإعجاز العلمي دون أن يلتزم بالضوابط الشرعية فكان هذا يثير حفائظ الغيورين المسلمين على الدين من العلماء ومن غير العلماء كما يثير حفيظة الحريصين على صيانة العلوم من التخريفات والاعتداءات على منهجيتها الصارمة، وكان هناك عدد من المتحمسين للإعجاز العلمي يتحدثون من غير ضوابط وكان من أهم أسباب إنشاء هيئة الإعجاز هو تقوم الهيئة بوضع الضوابط الدقيقة، والحمد لله تحقق ذلك في عدد من المؤتمرات واللقاءات لكن الأبحاث المختصة يضبط التأصيل في الإعجاز العلمي كانت قد قدمت في المؤتمر الدولي للإعجاز العلمي في إسلام أباد وكانت مناقشات ساخنة لعدد من العلماء وكان يحضر معنا عالم من غير المسلمين بدرجة بروفيسور فخشيت أن يصرف ذلك أولئك العلماء من غير المسلمين من المهتمين بالإعجاز العلمي والذين تأثروا بالإعجاز تأثراً بالغاً وعندما سألت أحد العلماء الذين حضروا تلك المناقشات وهو البروفيسور أليسون بالمر وهو رئيس الجمعية الجيولوجية الأمريكية وأوضحت له أننا في بداية تأصيل علم جديد ووضع ضوابط له ولابد من اختلاف الآراء حول علم الإعجاز العلمي لذلك ترى هذه النقاشات الساخنة والاعتراضات المتكررة فقال: أنا سعيد بما رأيت وسمعت وأنا أهنئك على ذلك فلا يوجد مكان في العالم يجتمع فيه رجال الدين مع رجال العلوم الكونية ويتناقشون ويختلفون ويعترضون على بعضهم بحرية إلا هذا المكان، فعندنا في النصرانية كلام البابا والقساوسة كلام مقدس لا أحد يستطيع أن يناقش أو يعترض، أما أنتم فعندكم هذه الحرية وهذه ميزة لكم أيها المسلمون لا توجد لدين آخر.

وفي ضوء تلك المناقشات نجحت ثلاثة بحوث أوصى المؤتمر بطبعها وأن توزع وأن تنشر بين الباحثين بالإعجاز، وقد قامت الهيئة بطباعة البحوث الثلاثة تنفيذاً للتوصيات وقد رأينا تلك البحوث على كتابات المهتمين بالإعجاز.

هل هنالك فرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي ؟

التفسير العلمي هو دراية المفسر أو ما فهمه المفسر من الآية في ضوء معلوماته الشخصية أو المعلومات التي تتاح في عصره أو في البيئة التي يعيش فيها، والآيات التي تتكلم عن العلوم الكونية كثيرة ومعرفة الناس بالحقائق الكونية تتطور من جيل إلى جيل، ولاشك أن معظم هذه العلوم الكونية تزداد معرفة المفسرين بالحقائق المتعلقة بتلك الآيات . والمفسر عندما يفسر الآيات يفسرها بدراسته ومعلوماته في جيله.

لكن يمكن أن نقسم تلك العلوم إلى نوعين:

النوع الأول: المتعلق بالأمور القطعية الثابتة التي لا شك فيها ونسميها حقائق وهي ما خضع للمشاهدة والقياس وأمكن التحقق منها بالمقاييس المتفق عليها وهناك نظريات تفسر كثيراً من الطواهر الكونية لكننا لا نستطيع أن نجزم أنها قد وصلت للصيغة القطعية وربما تتغير مع تغير الزمان وهذه اهلنظريات تتعلق بالتفسير، فعندما يأتي المفسر ليفسر فهو يستفيد من معلومات ظهرت في عصرة لكي يفسر تلك الآيات فنقول هذا هو التفسير العلمي الذي يتعلق بالنظريات وقد يتغير من وقت إلى آخر وهو تعبير عن رأي المفسر واجتهاده مع التزامه بشروط التفسير بالرأي وإن تعلق التفسير بالحقائق بعد أن تصبح أمور قطعية وأمور مشاهدة ومقايسة ومحددة فهذا هو الإعجاز العلمي.

أي الإعجاز العلمي الذي يتعلق بالقطعيات والتفسير العلمي الذي يتعلق بالنظريات .

وقد يقول قائل ربما تتغير الحقائق فنقول لا إذا كانت الحقيقة مما شوهد وأصبح مقاسا ومشاهداً فلن تتغير لأننا لا يمكن أن نغير حقيقة ثابتة قد رأيناها وشاهدناها، لذلك المقياس قد وضعه لنا سبحانه وتعالى بقوله: (
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
) وبقوله: (
وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
) ومهما تقدم العلم فإنه لا يزيد الحقائق إلا تأكيداً.

من خلال خبرتكم الطويلة في مجال الإعجاز العلمي هل يمكن باختصار أن توضحوا ما هو دور الإعجاز العلمي في تثبيت الإيمان في نفوس الناس ؟

الإيمان يتكون من ثلاث حقائق الأولى تستقر في القلب وهي اليقين: (
وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين
) واليقين هو التصديق الجازم القائم على الدليل وهذا هو الأساس في الإيمان والثاني: الشهادة والقول، والقول هو النطق باللسان وإعلان الشهادة بحقيقة ذلك الإيمان الذي استقر في القلب والثالث: العمل والانقياد والاستسلام لأمر الله جل وعلا.

ومجموع هذا هو الإيمان، لكن كله أولاً يتركز على أساس اليقين واليقين لا يكون إلا بالعلم فإذا أردنا يقيناً فلا بد من برهان ودليل والله جعل المعجزات تأييداً للرسل ـ عليهم السلام ـ لتكون دليلاً على أنهم قد أرسلوا من عند الله (
لقد أرسلنا رسلنا بالبينات
) جعل الله لكل رسول معجزة تتناسب مع واقع قومه، والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو رسول الله إلى الناس جميعاً في عصرنا اليوم وفي غير عصرنا فأهل عصرنا أهل الجامعات والأبحاث ومراكز العلم والعلماء وأهل المعامل ما الذي يقنعهم بأن محمد رسول الله ! جعل الله هذه العلوم من القرآن دليلاً لهم وبرهاناً فهذه الأدلة العلمية التي جعلها الله في القرآن مثبتة لصدق نبوته لأ وطريقاً لإيجاد اليقين في قلوب الكافرين وليثبت اليقين في قلوب المسلمين إن هذه الأبحاث تثبت اليقين وتوجده في نفوس الناس جميعاً يقول تعالى: (
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
) أي أن رؤيته لهذه الحقائق في آفاق الكون للتبيين للكافرين وأن القرآن من عند الله لتشهد بصدق الرسول وصدق القرآن . فإذاً الإعجاز العلمي اليوم يقدم لنا برهاناً علمياً واضحاً كما قال تعالى: (
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه
) أي أن الله ليشهد بصدق ما أنزل إليه .. كيف ؟ كيف يشهد بصدق ما أنزل على محمد قال: أنزله بعلمه .. فالعلم الذي اشتمل عليه القرآن واكتشفه الناس في هذا الزمان ولك يكن ميسراً للأجيال السابقة من عهد النبي ـ عليه السلام ـ إلى قبل قرنين أو قرن من الزمان شاهد على أن هذا العلم الذي تفضل به القرآن نزل بعلم الله . إذن الإعجاز العلمي في القرآن هو البرهان الذي نقدمه اليوم لكل طبقات البشر وأصنافهم وأنواعهم في الأرض لنثبت للناس أن هذا القرآن من عند الله ليتحقق لهم الإيمان ويمكن، والذي أخبرنا بهذه الحقائق في الكون وفي أنفسنا هو الذي أخبرنا بحقائق الآخرة من جنة ونار وسنراها قال تعالى: (
ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين
) فإذا كنا نرى حقائق ما أخبر به القرآن من سحب وبحار وجبال وفي الأرض والفلك وفي التشريح والنبات فكذلك سنرى حقائق الجنة والنار.  

فضيلة الشيخ هل انتفعت المؤسسات العلمية من مدارس وجامعات ومعاهد من أبحاث الإعجاز العلمي ؟

للأسف أنا أشعر أ، هذه المؤسسات إلى الآن لم تستفد لأننا نجد في مجالات العلوم الأخرى يحدث الاكتشاف في أي مجال من المجالات، وبسرعة يترجم وينشر في المجلات العلمية ويتحول إلى الكتب ثم تستفيد الناس منه أولاً بأول ولكن هذه الحقيقة العلمية الثرية الواضحة الجلية لم تجد طريقها إلى المدارس أو إلى المعاهد أو إلى الجامعات، وأنا أنادي القائمين على التعليم أن يقبلوا على هذا وأن يعقدوا له الندوات وأن يطلبوا من واضعي المناهج الذين يؤلفون الكتب المدرسية والجامعية أن يستفيدوا منها . وعلى الهيئة مسئولية كبيرة في تقديم مثل هذه البحوث الموثقة ليزودوا بها كتاب المناهج المدرسية والعلمية حتى ينتفعوا بها.

فضيلة الشيخ ما هو الموقف الذي آثر في نفسك في قضية الإعجاز العلمي ؟

عندما تتجلى آيات الله المعجزة .. عندما تتجلى المعجزات وتظهر المعجزة وتتجلى .. يجيش الصدر بالبكاء فرحاً بما رأت عيناي وربما شاهدت، وعندما يرى علماً من أعلام العالم من غير المسلمين يقرر ذلك الأمر . وعندما يقرأ الإنسان القرآن فيرى عظمة هذا الكتاب وما جمع من هذه الحقائق فيستشعر عظمة الملك جل وعلا كما يستشعر صدق الوعد والوعيد .

ما رأي فضيلتكم في مجلة الإعجاز العلمي وما هي نصيحتكم للقائمين عليها ؟

لقد شعرت بالسعادة عندما رأيتها لأن الندوات والمؤتمرات المتتالية التي عقدت من قبل الإعجاز العلمي كانت دائماً تلح ودائماً تنادي بإصدار مجلة فكانت حلماً ,كانت أملاً ,الحمد لله تحقق الأمل وخرجت هذه المجلة والحمد لله خرجت بشكل طيب وبحوث تقدم هذا المجال وتغذيه وخلاصة ما أقوله لإخواني القائمين على هذا .. إني أهنئكم بهذه المجلة وأقول: أن يجعلوا نصب أعينهم على الدوام توصيات المؤتمرات التي جاءت تتعاقب لإصدار هذه المجلة والضوابط التي يجب أن تلتزم بها حتى تكون ثابتة القدم ومحققة التواصل بين الباحثين والدارسين.

جزاك الله خيراً يا فضيلة الشيخ ونشكر لكم هذا اللقاء الطيب.