السلام عليكم | العدد الثاني
السلام عليكم
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



بقلم أ.د.عبد الله بن عبد العزيز المصلح

أمين عام هيئة الإعجاز العلمي ورئيس التحرير

قراءنا الأعزاء......

في مختلف بقاع العالم الإسلامي أحييكم جميعا بتحية الإسلام، تحية أهل الجنة، "تحيتهم يوم يلقونه سلام " فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد،،،

فهذا هو العدد الثاني من مجلتكم المباركة -الإعجاز - الذي أعرف كم أنتم مترقبون لصدوره، متلهفون لمطالعته وتقليب صفحاته، ولست أجاوز الحقيقة إذا قلت إن دعاءكم الطيب وثناءكم الجميل على الإصدار الأول كان لنا زادا في مسيرة إعداد هذا الإصدار.

لن ننسى مشاعركم الصادقة الجياشة عبر رسائلكم المعبرة بحق عن حبكم وإكباركم لهذه المجلة، واحتضانكم لها منذ لحظة الميلاد.

أحبائي أحدثكم الآن وعلى مكتبي مئات الرسائل من شتى البلدان والأصقاع، ومن مختلف القطاعات القيادية والعلمية والدعوية والثقافية، وكأني بها تبث المداد في قلمي ليسطر لكم أرق وأخلص معاني الامتنان والشكر لتفاعلكم الصادق مع مجلتكم الغراء الإعجاز.

ولا غر فالرسالة التي قد نذرت المجلة نفسها من أجل النهوض بها وتبليغها إلى الناس أجمعين رسالة سامية جليلة، وفي الوقت ذاته هي رسالة تلح على العقل اليقظ المنصف أن يتأملها ؛ ذلك أنها تتعلق بقضية كبرى هي قضية الإعجاز. وربما يتساءل البعض عن سر تلك الأهمية وذلك التفرد الذي يجعل من قضية الإعجاز قضية هامة وقضية كبرى، فأقول إن الله سبحانه وتعالى بعد أن تفضل علينا بنعمة الخلق والإيجاد والرزق تفضل علينا بنعمة أخرى تفوق نعمة الخلق والإيجاد والرزق ألا وهي نعمة الهداية وطرائق إقامة الحجة والبيان حتى يدرك الإنسان الغاية من خلقه والعبرة من وجوده فالله عز وجل لم يخلق الإنسان عبثا ولم يتركه هملا، إنما اصطفاه لخلافته في الأرض وأناط به مهام ومسؤوليات الاستخلاف وفق ما يريده هو سبحانه وتعالي، لهذا كان لابد من نعمة الهداية، نعمة الدلالة به عليه عز وجل، نعمة الإجابة علي التساؤلات الحيرى اللاهثة في ملكوت العقل وأرجائه تبحث عن مرفأ ترسو عليه.

من أنا ؟؟ لماذا جئت ؟؟ إلي أين المنتهي ؟؟

أسئلة حيرت العقل الإنساني منذ بزوغ فجر البشرية ولا تزال وكانت الإجابات تأتي دوما قاصرة عاجزة منقوصة متخبطة ذلك أنها كانت دائما ملتصقة بالأرض، ولم تحاول الاستشراف إلى ما منحها الله من الآيات والعبر كي تتكشف لها المنح الخمس الكبرى:

أولها:
منحة أصل التكوين الفطري على أكرم صورة. وهذه تجعلنا ننظر في صفحات الأديان السابقة على الإسلام لنرى كيف ساهمت تلك الأديان التي طالها التحريف، في إحداث التشويه النفسي للإنسان، فوجود الإنسان الأول خطيئة ندم الله عليها وتحليه بالعلم والمعرفة والتمييز بين الشر والخير جريمة تستوجب الاستنكار والندم من الله والخطيئة توَّرث فكل إنسان مأخوذ بجريرة غيره حتى يأتي من لم يرتكب جريرة أو يقترف إثما ليذبح تكفيرا عن تلك الخطايا المتوارثة.

وكان طبيعيا أن ينتج عن تلك النظرة المغالية في الخرافة نظرة الرفض الكامل لكل ما يتسم بأنه ديني لأن كل ما هو ديني - من وجهة نظرهم - محرف يصطدم مع العقل وفي ظل هذه الظروف نشأت النظرة العلمية المادية البحتة التي تصورت أن بإمكان العلم أن يحل كل مشاكل الإنسان ويوقف معاناته، فماذا كانت النتيجة بعد هذه العقود الطويلة ؟ أقر فلاسفة الغرب وأساطينه بفشلهم الذريع في التعامل مع النفس البشرية التي توهموها كالآلة، وتفككت الأسرة وتفشت العلل النفسية والاجتماعية ورضوا وبعد عناء طويل من الغنيمة بالإياب.

فماذا عن أصل التكوين الفطري في الإسلام ؟ إنه تكريم ما بعده تكريم وبقاء ما بعده بقاء (
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين
) سورة ص 71. إكرام لا خطيئة، واصطفاء لا ازدراء وكل مولود يولد على الفطرة. تلك هي المنحة الأولى.
المنحة الثانية:
منحة العقل المتدبر لا العقل المتعطل ؛ ينظر إلى كل ما حوله فيرى فيه هاديًا ومرشداً إلى طريق الله والإيمان به (
ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار
) آل عمران 191. إدراك للغاية والهدف، وإحساس بالمسؤولية الناجمة عن هذا الإدراك، عندئذ يتشبث الرجاء بأهداب الرحمة فقنا عذاب النار ) لكن الفطرة النقية والعقل المتدبر لا يمثلان وحدهما إقامة الحجة البالغة على الناس، فبيان الله لابد وأن يكون كاملا حتى يكون الثواب والعقاب عدلاً وهنا تأتي.
المنحة الثالثة:
إرسال الرسل ومنذ وجود الإنسان على ظهر الأرض والرسالات تتعاقب وتتوالى إرشادًا وهداية للناس حتى تقام الحجة ويكتمل العدل (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
) وطبيعي أن يأتي الرسل المصطفون من الله لتبليغ رسالاته بدستور ينظم للناس أمر معاشهم ومعادهم فكانت.
المنحة الرابعة:
منحة الكتب والأسفار المتضمنة للشرائع والأحكام والأخلاق والنظم الحياتية وفق علم الله الأزلي بما يصلح حياة خلقه (
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
) ولكي تحمل تلك الكتب صفة الربانية كان لابد لها من دلائل وبينات تبرهن على أنها من عند الله عز وجل ولكي تحمل تلك الكتب صفة الربانية كان لا بد لها من دلائل وبينات تبرهن على أنها من عند الله عز وجل.
المنحة الخامسة:
وهي الإعجاز التي جاءت تتويجاً للمنح الأربع السابقة.

وفي هذا يقول المصطفى ما من نبي إلا وقد آتاه الله ما مثله آمن عليه قومه أي ما يجعل قومه يؤمنون به ويعلمون أنه من عند الله.

وهكذا نجد أن الله قد أعطى إبراهيم عليه السلام معجزة برد وسلامة النيران التي ألقوه فيها ليحرقوه، كما أتى موسى بمعجزة انفلاق البحر بالعصا وابتلاعها لحبال السحرة التي تخيل للناس من سحرهم أنها تسعى - في زمن اشتهار السحر - كما أعطي عيسى عليه السلام إبراء الاكمه والأبرص وإحياء الموتي في زمن اشتهار الطب وكل هذه المعجزات كما نرى معجزات حسية تراها الناس وقت حدوثها فقط، فلما جاء محمد ليختم الله به الرسالات كان لابد لمعجزته أن تكون مستمرة متجددة عبر الأزمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها « وإذا كنا قد أسلفنا القول عن المنح الإلهية الخمس للهداية الربانية فإن الله سبحانه وتعالي اختص نبيه محمداً كذلك بصنوف خمسة من الإعجاز 1- الإعجاز المادي أو الحسي، 2- الإعجاز البياني، 3- إعجاز الهداية، 4- الإعجاز التشريعي وخامسها تاج الإعجاز العلمي.

أما أولها
وهو الإعجاز الحسي أو المادي فكتب السنة تذخر بعديد من هذه المعجزات على غرار ما أيد الله به الأنبياء السابقين كنبع الماء من بين أصابه الشريفتين، وسقياه لما يقارب الألفين وذلك في غزوة تبوك وغزوة صلح الحديبية

وكذلك تسبيح الحصى بين يديه، وحنين الجذع إليه وغير ذلك وهو باب واسع جدا أفاضت فيه كتب السيرة.

ثاني هذه الصور:
الإعجاز البياني وفيه تحدى الله أساطين البيان من قريش أن يأتوا حتى بآية مثله فعجزوا ولم يقدروا.

ومعلوم أن أرباب البلاغة من قريش كانوا يتوافدون ليلاً حول بيت الرسول ليستمعوا القرآن وحينما كانوا يتلاقون كانوا يتناهون عن المجئ ثم يعودون لروعة بيانه وعظمة بلاغته، وكانوا يقولون لبعضهم لو رآكم سفهاء قريش لفتنوا.

وقد كشف الله لنبيه عن طوية قلوبهم (
ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول
) المجادلة 8. (
فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
) الانعام /33.
النوع الثالث:
إعجاز الهداية وهو تجاوب النفس البشرية مع طبيعة هذا الدين ومنطقيته، ولا أدل علي ذلك من إقبال المصريين علي الإسلام في زمن عمرو بن العاص حين فتح مصر ورفع الظلم عن الأقباط وتاريخ الصراع بين الكاثوليكية والإرثوذكسية مسجل في صفحات التاريخ، وكم من الأرثوذكسيين أهدرت دماؤهم على أيدي الكاثوليك حتى كان الخلاص لهم علي يد عمرو بن العاص وتسابق الجميع إلى الإسلام لما عرفوا من فطريته وعقلانيته،

ولعل في قصة ابن القبطي وابن عمرو بن العاص الشهيرة والقصاص من عمرو بن العاص وابنه لصالح القبطي علي يد الخليفة عمر بن الخطاب أوضح الأمثلة على تفرد هذا الدين بإعجاز الهداية

ولولا فطرية هذا الدين لما توقعنا أن نراه ينتقض مرة أخرى، ويهب واقفا من تحت أنقاض الشيوعية الملحدة بمجرد أن انزاح الكابوس الذي جثم على الصدور قرابة سبعين عاما عن شعب روسيا إنها الفطـرة

النوع الرابع:
الإعجاز التشريعي وهو ما أودع الله في كتابه وسنة نبيه من بيان الممارسات في صناعة الحياة « أي كيف نصنع الحياة بعلاقاتها المتضافرة المتداخلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتعبدياً. وكم رأينا وسمعنا كبار علماء الغرب يشهدون للتشريع الإسلامي بالتفرد في حل المشكلات المستعصية على مستوي الاقتصاد أو المعاملات وغيرها

ننتقل بعد ذلك إلى النوع الخامس من أنواع الإعجاز وهو الإعجاز العلمي – موضوع هذه المجلة المباركة – الذي سوف أترككم الآن في رحابه على أمل أن تجمعنا لقاءات قادمة نتناول فيها بشيء من التفصيل كل صورة من تلك الصور الإعجازية المبهرة وحتى نلتقي لكم أطيب تحياتي.