الصلة الطبيعية | العدد السادس عشر
الصلة الطبيعية
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك







 
          

الصلة الطبيعية *

د. خالص جلبي

هناك ما يمكن أن يسمى بالصلة الطبيعية بين العلم والإيمان بين ما يكشفه البشر من تراكيب وسنن في هذا الوجد وبين ما يريده الله منهم في القضية الإيمانية التي تعتبر حاجة انسانية بالدرجة الأولى تهدف إلى ترقية النوع وليس لمجرد حفظ النوع وهذا هو البعد الجديد في الإنسان الذي ميز الإنسان عن بقية الخلائق.

إن القرآن كتاب الله (
المقروء
) والكون كتاب الله (
المنظور
) وبنية الإنسان من هذا القطاع، وكلا الكتابين من الله، وكل منهما يدل على الآخر ويتممه، ولذا فإن المزيد من معرفة الوجود ـ ومنه الطبي تعني المزيد من معرفة الخالق جل جلاله، حيث إن الكون يقوم بوظيفتين (
دليل على الله
) و(
مسخر للإنسان
) ولكن بالقوة لا بالفعل، ويتدخل جهد الإنسان بين نقله من القوة إلى الفعل.

ويقف الإنسان خاشعا وهو يرى الإعجاز تحت المجهر في البناء الخلوي، أو عندما يغوص مع الأخلاط والتفاعلات المخيفة في أعماق الخلية والأنسجة، أو عندما يطارد عنصرًا مشعًا من أجل اكتشاف تفاعل أو معرفة بتركيب، أو تقدير حياة خلية، أو آلية تأثير هورمون أو انزيم (
خميرة Enzyme
) يخشع الإنسان وهو يرى تحت المجهر العادي فضلا عن المجهر الالكتروني الذي يكبر عشرات الآلاف من المرات، هذه الهندسة الرائعة في الخلايا، والارتباطات المحكمة والآيات المتناسقة المتوازنة وهذا الجمال في كافة مستوياته. وكلما ازداد عمق البحث ازدادت الأشياء التي تكتشف وازداد تعقيد العلاقات، والتفاعلات، وآليات الاتزان، التي كانت تظن فيما سبق بسيطة.

إن مزيدا من العلم هو مزيد من شحنة الإيمان حيث ينقلب الوجود كله إلى (
محراب
) لمعرفة الله وعبادته لا كما فعل عبيده اليوم حيث حولوه إلى مرقص وحانة ومستودع للذخائر النووية، حيث مازالوا على ظن الملائكة فيهم ولم يحققوا بعد (
علم
) الله فيهم.

(
قَالُوآ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ...
) البقرة.

يجب أن نؤكد على النقطة التالية: إن تقدم العلم لن ينقض الإيمان، بل سوف يزيد من تعميقه، والإصرار على الحاجة إليه كقضية ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، لذا يجب أن لا نخاف من زيادة العلم، بل يجب أن نفرح به ونتبناه، ونعض عليه بالنواجذ.

(
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
).

يجب أن نعلم أن العلم سوف يخدم القضية الإيمانية أكثر من حماسنا، كما يجب أن نعلم أن المفاهيم التي تفقد الأرضية العلمية سوف تنطفئ مهما نفخ فيها من نار الحماس، سنة الله في خلقه..

* ينظر كتاب الطب محراب الإيمان.