كمال الدين بن يونس | العدد الرابع عشر
كمال الدين بن يونس
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



كمال الدين بن يونس
(551 ـ 639هـ/ 1156 ـ 1242م)

الدكتور محمود الحاج قاسم محمد

أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العقيلي الفقيه الشافعي. ولد في الموصل سنة (551/1156م) وتفقه فيها على والده، ثم توجه إلى بغداد سنة (571/1175م)، وأقام بالمدرسة النظامية. ودرس على السلماني والقزويني والشيرازي فقراً الخلاف والأصول وبحث الأدب على أبي البركات عبدالرحمن الأنباري فتميز ومهر. ثم عاد إلى الموصل حيث عكف على الاشتغال بالعلوم الدينية، والعقلية، والأخيرة كانت غالبة عليه.

ودرس في موضع والده في أحد المساجد في الموصل، عرف فيما بعد بالمدرسة الكمالية لطول مكثه فيها. ولما أشتهر فضله انثال عليه الفقهاء، وتبحر في جميع الفنون، وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، من ذلك أصول الفقه وأصول الدين والحديث والتفسير والمنطق، وكذلك الطب والموسيقى إلا أنه تفرد بالرياضيات وأنواع الحساب.

ولما توفي أخوة الشيخ عماد الدين محمد، تولى الشيخ المدرسة العلائية مكان أخيه، ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها، ثم تولى المدرسة البدرية سنة 620 هـ.

وتوفي كمال الدين في الموصل سنة 639هـ/1242م ودفن في تربة (عناز) أو (عنان)، خارج باب العراق.

وخلف كمال الدين أولاداً أتقنوا الفقه وسائر العلوم، وهم من سادات الموصل وأفضل المصنفين.

مؤلفاته:

من المؤسف أنه لم يصلنا من نتاج كمال الدين إلا القليل، فقد ضاع أكثره أثناء الانقلابات والفتن التي حدثت في العراق. وورد في المصادر بعض مؤلفاته التي تتعلق بالفقه والمنطق والنجوم وهي:

1 ـ كتاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في تفسير القرآن.

2 ـ شرح كتاب التنبيه في الفقه (مجلدان).

3 ـ كتاب مفردات ألفاظ القانون.

4 ـ كتاب في الأصول.

5 ـ كتاب عيون المنطق.

6 ـ كتاب لغز في الحكمة.

7 ـ كتاب الأسرار السلطانية في النجوم.

تلامذته:

لقد قضى كمال الدين حياته في التدريس ولا شك أن تلامذته كثر لا يعلم عددهم إلا الله، ولكن من جاء ذكرهم في كتب التراجم قليل وهم:

1 ـ الشيخ أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري كان على جلاله قدره في العلوم ـ يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه يقرأ عليه، والناس يشتغلون في تصانيف الأثير.

2 ـ الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم الحنفي المصري، أخذ عنه الموسيقى وغيرها فدرس عليه أربعين كتاباً خلال 6 أشهر.

3 ـ الشيخ تقي الدين أبو عمرو عثمان المعروف بابن الصلاح درس عليه شيئاً من المنطق.

4 ـ نجم الدين حمزة بن عابد الصرخدي القمراوي.

5 ـ شرف الدين المتاني.

6 ـ ثادري الأنطاكي اليعقوبي النحلة: (هاجر إلى الموصل وقرأ على كمال الدين بن يونس مصنفات الفارابي وابن سينا وحل أوقليدس والمجسطي ثم عاد إلى إنطاكية، ولم يطل المكث بها لما رأى في نفسه من التقصير في التحصيل فعاد مرة ثانية إلى ابن يونس وأنضج ما استهنأ من علمه، وبعد أن رحل إلى بلاد مختلفة استقر به الحال عند ملك الفرنج فردريك الثاني فنال منه أفضالاً).

مكانته العلمية:

لقد اعترف له معاصروه ومن جاء بعده من العلماء والباحثين بالفضل والنبوغ، نذكر أقوال البعض منهم، فمن معاصريه العلام الكبير أثير الدين المفضل الأبهري يقول: (ليس بين العلماء من يماثل كمال الدين).

ويقول موفق الدين عبداللطيف البغدادي من كبار علماء وأطباء القرن السادس الهجري: (إنه لم يجد في بغداد من يأخذ بقلبه ويملأ عينه، ويحل ما يشكل عليه، فسافر إلى الموصل سنة 585هـ، فوجد فيها كمال الدين بن يونس متبحراً في الرياضيات والفقه، عالماً بأجزاء الحكمة، قد استغرق حب الكيمياء عقله ووقته).

ويقول ابن خلكان: (وكان فقهاء زمانه يقولون: إنه يدري أربعة وعشرين فناً دراية متقنة، وكان جماعة من الحنفية يشتغلون عليهم بمذهبهم، وكان يتقن الخلاف والعراقي والبخاري وأصول الفقه وأصول الدين.وكان يدري فن الحكمة: المنطق والطبيعي والإلهي، وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضة في إقليدس والهيئة، وأنواع الحساب: المفتوح منه والجبر والمقابلة والموسيقى والمساحة، وكان يبحث في العربية والصريف بحثاً تاماً، وكان يحفظ من التواريخ أيام العرب والأشعار شيئاً كثيراً. وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوراة والإنجيل ويشرح لهم هذين الكتابين شرحاً يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وكان في كل فن من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه). ومما يدلنا على عبقريته وتمكنه وسعة اطلاعه في مختلف العلوم رجوع الملوك والأمراء والعلماء إليه في حل المسائل التي يشكل حلها.

وقد طبقت شهرته الآفاق مما دفع بملوك الفرنج للاستعانة به فيما أشكل عليهم من مسائل تتعلق بالنجوم، فقد ورد إلى الملك الرحيم صاحب الموصل رسول من الإمبراطور فردريك الثاني وبيده مسائل في علوم النجوم، وقد قصد أن يرد كمال الدين أجوبتها.

يروي ابن أبي أصيبعة: (كان قد ورد إلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من عند الإمبراطور ملك الفرنج أسئلة وقصد أن كمال الدين بن يونس يرد أجوبتها. فبعث صاحب الموصل إلى ابن يونس يعرفه بذلك، ويقول له أن يتجمل في لبسه وزيه ويجعل له مجلساً بأبهة لأجل الرسول، وذلك لما يعرفه من ابن يونس أنه كان يلبس ثياباً رثة بلا تكلف، وما عنده خبر من أحوال الدنيا، فقال نعم.حكى جلال الدين قال: فكنت عنده، وقد قيل له هذا رسول الفرنج قد أتى وقرب من المدرسة، فبعث من تلقاه، فلما حضر عند الشيخ، نظرنا فوجدنا الموضع فيه بسط من أحسن ما يكون من البسط الرومية الفاخرة وجماعة مماليك وقوف بين يديه وخدام وشارة حسنة. ودخل الرسول وتلقاه الشيخ وكتب الأجوبة عن تلك المسائل بأسرها. ولما راح الرسول غاب عنا جميع ما كنا نراه، فقلت للشيخ يا مولانا ما أعجب ما رأيت من تلك الأبهة والحشمة، فتبسم وقال يا بغدادي هو علم).

ويروي ابن خلكان: (ثم قال ابن المستوفي: ووردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براههينها، بعد أن احتقرها).
ويروي ابن خلكان أيضاً: (كنت بدمشق سنة 633 هـ، وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع في مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة وإقليدس، فكتب جميعها في درج وسيرها إلى الموصل ثم بعد أشهر عاد جوابه، وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها وذكر ما يعجز الإنسان عن وصفه، ثم كتب في آخر الجواب: فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة، فإن القريحة جامدة والفطنة خامدة، قد استولى عليها كثرة النسيان، وشغلتها حوادث الزمان، وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه، بحيث صرنا كأنا ما عرفناه، وقال لي صاحب المسائل المذكورة: ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقدمين لهذه العلوم، ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان).

ويمكن القول إنه كان لبحوث كمال الدين قيمة كبرى عند علماء عصره وأثر في تقدم العلوم، وقد أكد ذلك أحد علماء الرياضيات المعاصرين وهو البروفيسور ديفيد يوجين سمث David Eugene Smith فقد ذكر في كتاب تاريخ الرياضيات:History of Mathematics (ومن علماء القرن الثاني عشر الميلادي فقد كان أبرزهم المعروف باسم كمال الدين بن يونس أو ابن منعة والمولود في الموصل العراقية على نهر دجلة. وقد كانت بحوثه في نظرية الأعداد والمقاطع المخروطية ذات مكانة وتقدير من قبل معاصريه).

وفي موضع آخر من الكتاب يؤكد سبق كمال الدين غاليليو في معرفة القوانين التي تتعلق بالرقاص فيقول سمث: (مع أن قانون الرقاص هو من وضع غاليليو، إلا أن كمال الدين بن يونس لاحظ ذلك وسبقه في معرفة شيء عنه. وكان الفلكيون يستعملونه لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد).

ومن هنا يتبين أن العرب عرفوا شيئاً عن القوانين التي تسيطر على الرقاص ثم جاء بعدهم غاليليو وبعد تجارب عديدة استطاع أن يستنبط قوانينه إذا وجد أن مدة الذبذبة تتوقف على طول.

البندول، وقيمة عجلة التثاقل، وأفرغ ذلك في قالب رياضي بديع وسع دائرة استعماله، وجنى الفوائد الجليلة منه).

المصادر:

1 ـ ابن خلكان، أبي العباس شمس الدين أحمد: وفيات الأعيان. تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1977، ج 5 ص 311 ـ 318.

*ابن أبي أصيبعة، موفق الدين أبو العباس أحمد الخزرجي: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ـ دار الفكر، بيروت 1956، ج2، 337 ـ 340.

*العمري، محمد أمين بن خير الله: منهل الأولياء. تحقيق سعيد الديوه جي، مطبعة القاهرة 1963، ص 394 ـ 399.

2 ـ طوقان: ص 398

3 ـ ابن أبي أصيبعة: ج 2، ص 334

4 ـ عيسى، د. أ؛مد : معجم الأطباء ـ دار الرائد العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1982، ص 156.

5 ـ ابن أبي أصيبعة: ج 2، ص 334.

6 ـ ابن خلكان: ج 5 ،ص 312 ـ 313.

7 ـ ابن أبي أصيبعة: ج 2، ص 334

8 ـ ابن خلكان: ج 5، ص 314.

9 ـ المصدر نفسه: ج 5، ص 314.

10 ـ سمث، ديفيد يوجين: تاريخ الرياضيات ـ مجلد 1، ص 287.

11 ـ المصدر نفسه: مجلد 2، ص 673.